الحقوق محفوظة © امين الشريف
تصميم دزيغنين - تعريب قوالب بلوجر عربية ومجانية
الخميس، 28 نوفمبر 2013

التربية الاسلامية عند ابن خلدون

شكر و تقدير
                                                         
قال تعالى ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ( [1] )
                                                                                                                                  صدق الله العظيم
   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على معلم البشرية نبينا محمد  rوعلى آله وصحبه أجمعين .... وبعد :
   فإنني أتوجه بالشكر وعظيم الامتنان إلى الله رب العالمين الذي منَّ على بإتمام هذا البحث المتواضع فلله الفضل من قبل ، ومن بعد ، احمده دوماً واستعين به ، ولا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان  إلى أستاذي الفاضل الذي منحني فرصة الاطلاع والعمل و التطبيق والممارسة في بداية حياتي في الدراسات العليا ، وأن العلم والاجتهاد بالعمل من سمات طالب العلم ، وأخلاقيات المسلم ، لذا فان الفكر التربوي في الإسلام يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة و يتميز كل عصر بفكره وفلسفه حياته , والمسلمون الأوائل خلفوا تراثاً فكرياً وتربوياً ينبغي أن نعتز به وبمرور الأيام وتغيرات المجتمع الإسلامي ظهر الفقهاء والعلماء والأدباء والفلاسفة وظهر معهم فكر تربوي إسلامي أساسه القرآن الكريم والسنة ، فهي من دواعي سروري أن يكون هذا العمل للعلماء المسلمين وجهودهم التربوية ، والذي أضع هذا العمل المتواضع بين يدي أستاذي الفاضل .
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قالَ: قالَ رَسُولُ الله r : «مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ الله» ( [2] )
والباحث بمقتضى هذا الحديث يتقدم بخالص الشكر والتقدير لسعادة
الأستاذ الدكتور : عيد بن حجيج الجهني

    فقد وجد الباحث منه الاهتمام والجدية في البحث والدراسة والحرص على إفادة الطلاب ، وقد استفاد الباحث منه كثيراً أثناء دراسته لمقرر تاريخ التربية الإسلامية ، فله من الباحث كل الثناء والتقدير ، وأسأل الله أن يجزل له الأجر والمثوبة ، وأن يكتب له الخير حيث كان ، ومتى ما كان ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


ولله ولرسوله الفضل أولا وأخرا...
       الباحـث
                                                                                                                                                                  أمين بن أحمد الشريف
فهرس المحتوي وموضوعات الدراسة في البحث

الموضوع
رقم الصفحة
- المقدمة
6
- أهمية البحث
6
- مشكلة البحث
6
- أسئلة البحث
7
- منهج البحث
7
- أهداف البحث
7
- حدود الدراسة
7
- مصطلحات الدراسة
8
- الدراسات السابقة
8
- تقسيم وتبويب الدراسة
9
المبحث الأول :  لمحة عن حياة ابن خلدون  
12
     - المطلب الأول : حياته
12
     - المطلب الثاني : آثاره
12
- المبحث الثاني : مظاهر الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون  
16
     - المطلب الأول : الظواهر الاجتماعية
16
     - المطلب الثاني  : التاريخ
17
     - المطلب الثالث : العمران
18
- المبحث الثالث  : العصبية و الدولة عند ابن خلدون
21
     - المطلب الأول : مفهوم العصبية عند ابن خلدون
21
     - المطلب الثاني : عمر الدولة و أطوارها
22
- المبحث الرابع : المواقف والآراء التربوية عند ابن خلدون
24
- المطلب الأول  : أهداف التربية وأنواع العلوم عند ابن خلدون 
24
- المطلب الثاني  : المبادئ التربوية عند ابن خلدون
25
- المطلب الثالث : آراء ابن خلدون التربوية       
27
الخاتمة والنتائج
43
المراجع
45




[1] ) سورة طه ، الأية : 114

[2] ) رَوَاهُ أَحْمَدُ (7755)، وَأَبُو دَاوُد (4198)، وَالتِّرْمِذِيُّ- صحيح الجامع (1926) وصححه الألباني

المستخلص :
  الموضوع : العالم المسلم " ابن خلدون " سيرته ومجالاته العلمية والتربوية ، مع ذكر أهم المبادئ والآراء في التربية الإسلامية التي أشار إليها في كتبه .
  الكاتب  : أمين بن أحمد الشريف
  الجامعة   : الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – كلية الدعوة وأصول الدين – قسم التربية الإسلامية
 بحث انجاز لمتطلبات تاريخ التربية الإسلامية – للفصل الدراسي الأول – للعام 1434هـ/ 1435هـ
      تتناول هذه الدراسة موضوع تاريخ التربية الإسلامية ، حيث يتميز كل عصر بفكره وفلسفه حياته , والمسلمون الأوائل خلفوا تراثاً فكرياً وتربوياً ينبغي أن نعتز به لذا وجب علينا ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين أن نعود إلى فكرنا وتراثنا العربي الإسلامي, وأن نستفيد منه وبمرور الأيام وتغيرات المجتمع الإسلامي ظهر الفقهاء والعلماء والأدباء والفلاسفة وظهر معهم فكر تربوي إسلامي أساسه القرآن الكريم والسنة ، ومن هؤلاء العالم المسلم ابن خلدون والذي عُرف على أنه عالم اجتماع ولكن له آراء تربوية في التربية الإسلامية ذكرها في كتابه المقدمة, وسوف يسعى هذا الباحث للوقوف على هذه الآراء وربطها مع الحياة المعاصرة .
      ويهدف البحث إلى إبراز الجوانب التربوية في التربية الإسلامية لابن خلدون ومدى ترابطها بالفكر الإسلامي ، وعلاقتها بالمتعلم ، وتطور المجتمع ، أساسه القرآن الكريم والسنة النبوية .
      واعتمد الباحث على المنهج الوصفي التحليلي هو أنسب المناهج البحثية لتحقيق هدف البحث , كون هذا المنهج يعتمد على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ، مع ارتباطها بالناحية التاريخية  .
     ولتحقيق هدف الدراسة عمد الباحث إلى تعدد طرق التناول التي تراوحت بين العرض المعاصر ، والتحليل الاستنباطي والنقد العلمي البناء ، وترابطها لتحقيق التكامل المنهجي العلمي للبحث .
    حيث تناولت الدراسة في المبحث الأول : لمحة عن حياة العالم ابن خلدون ، ومنها حياته وآثاره ،  وفي المبحث الثاني تناولت الدراسة : مظاهر الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون ، ومنها الظواهر الاجتماعية ، التاريخ ، والعمران ، أما المبحث الثالث تناول الباحث العصبية والدولة  ، وافرد الباحث المبحث الرابع بالمواقف التربوية ، وأهم المبادئ والآراء التربوية في التربية الإسلامية عند ابن خلدون ، في حين ختم الباحث بالنتائج والتوصيات وأخيرا المراجع .
     وأسفرت الدراسة عن عدد من النتائج  منها : يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية ، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة ، ووجود أفكار تربوية عديدة لابن خلدون تزخر بها كتبه وخاصة " المقدمة " والتي تم ذكرها ، وتعد من أهم الآراء والأفكار عند العلماء المسلمين ، وأن الكثير من هذه الأفكار التربوية تتفق مع ما تنادي به التربية الحديثة ، والذي ينم على أن العلوم الحديثة والنظريات التربوية نبعت وانبثقت من عقول إسلامية وعلماء لهم تاريخ حافل بالعلم .
المقدمة
    بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، خير خلق الله وعلى آله و صحبه أجمعين ، يتميز كل عصر بفكره وفلسفه حياته , والمسلمون الأوائل خلفوا تراثاً فكرياً وتربوياً ينبغي أن نعتز به , لأنه يعكس صورة الماضي, وبالتالي يضيء لنا طريق الحاضر والمستقبل, بقدر رجوعنا إليه واستشهادنا به, وأن نأخذ منه ما يتفق مع ظروفنا الراهنة وقضايانا المعاصرة فإننا للأسف لا نعرف إلا القليل من تراثنا عن جهل , أو تقليد للتربية الغربية ([1] ) .
   لذا وجب علينا ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين أن نعود إلى فكرنا وتراثنا العربي الإسلامي, وأن نستفيد منه لأن العمل للحاضر والمستقبل لا يتم إلا بالرجوع إلى الماضي وذلك "لأن حاضرنا لا يستغني عن ماضينا, وعن الفحص الدقيق لأرضه التي يقوم عليها البناء الجديد ([2] ).
    ولما كان الفكر التربوي في الإسلام يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة , فقد كانت أول مدرسة شهدها الإسلام هي دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة, ثم كان مسجده صلى الله عليه وسلم في المدينة هو الثاني "[3].
وبمرور الأيام وتغيرات المجتمع الإسلامي ظهر الفقهاء والعلماء والأدباء والفلاسفة وظهر معهم فكر تربوي إسلامي أساسه القرآن الكريم والسنة .
   ومن هؤلاء ابن خلدون والذي عُرف على أنه عالم اجتماع ولكن له آراء تربوية ذكرها في كتابه المقدمة , وسوف يسعى هذا البحث للوقوف على هذه الآراء في التربية الإسلامية وربطها مع الحياة المعاصرة .
أهمية البحث :
تبرز أهمية البحث في أنه يسعى إلى التعرف على الآراء التربوية لابن خلدون في التربية الإسلامية , وأثر هذه الآراء في الوقت الحاضر, وهل هذه الآراء تستجيب لحاجات المجتمع الإسلامي في الوقت الحاضر .
مشكلة البحث :
التربية الإسلامية هي النابعة من القرآن الكريم والسنة المطهرة, وفي الوقت الحاضر ينادي علماء التربية المسلمين بإتباع أقوال علماء الغرب من غير المسلمين, ومع أن بعض آرائهم جيدة, إلا أن الكثير منها يخالف الإسلام , لذا وجب علينا الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة وإلى تراث علماء الإسلام للاستفادة منه في حل قضايانا المعاصرة , وفي ضوء ذلك يمكن تحديد مشكلة البحث في السؤال الرئيس : ما هي الآراء التربوية لابن خلدون في التربية الإسلامية  ؟

أسئلة البحث :
يجب البحث عن الأسئلة الآتية :
1- ما هي سيرة العالم ابن خلدون ؟
2- ما أبرز مجالات العالم ابن خلدون العلمية والعملية  ؟
3- ما ابرز المبادئ التربوية لأبن خلدون في التربية الإسلامية  ؟
4- ما هي الآراء التربوية لابن خلدون في التربية الإسلامية  ، في كتابه المقدمة ؟
منهج البحث :
     يعد المنهج الوصفي التحليلي هو أنسب المناهج البحثية لتحقيق هدف البحث , كون هذا المنهج يعتمد على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع .
أهداف البحث :
  هدف هذا البحث إلى :
1- التعرف علي سيرة العالم ابن خلدون .
2- إبراز مجالات العالم ابن خلدون العلمية والعملية .
3- ابرز المبادئ التربوية لأبن خلدون في التربية الإسلامية .
4- الكشف عن الآراء التربوية لابن خلدون في التربية الإسلامية من خلال كتابه المقدمة .
مع تقديم التوصيات والمقترحات التي تساعد على فهمنا لقوة الفكر التربوي الإسلامي .
حدود البحث :
   سوف يقتصر هذا البحث على دراسة لسيره العالم ابن خلدون ، ثم ذكر أبرز المجالات العلمية والعملية ، وثم ذكر أهم المبادئ و الآراء التربوية لابن خلدون في التربية الإسلامية من خلال كتابه المقدمة .
وسوف نذكر حدود البحث كالتالي :
1- حدود زمانية ( تاريخية ) : وهي دراسة سيره العالم ابن خلدون في العصر الذي تميز به وبرز دوره في العديد من المجالات .
2- حدود مكانية : لا يقتصر دور الباحث في هذا البحث على مكان واحد بل يستعرض الباحث جميع الأماكن و البلدان التي ترك ابن خلدون أثره كعالم .
3- حدود موضوعية : وهو الجزء الأكبر من هذا البحث حيث يتناول الباحث جميع المواضيع والمجالات العلمية والتربوية والعملية للعالم ، ومما لا شك فيه فان الآراء التربوي للعالم في التربية الإسلامية تعتبر ثمرة هذا البحث .
مصطلحات البحث :
1- التربية : تعرّف التربية بأنها " تنمية الوظائف الجسمية والعقلية والخلقية حتى تبلغ كمالها عن طريق التدريب والتثقيف" "[4] ويقصد بها عند علماء التربية نمو الكائن البشري من خلال الخبرة المكتسبة من مواقف الحياة المتنوعة , ويقصد بالنمو اكتساب خبرات جديدة متصلة ومرتبطة ارتباطاً معيناً لتكون نمطاً خاصاً بشخصية الفرد وتوجهه إلى المزيد من النمو ليتحقق بذلك أفضل توافق بين الفرد وبيئته. "[5].
2- التربية الإسلامية : تعرّف بأنها "المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عدداً من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك الفرد سلوكاً يتفق مع عقيدة الإسلام" "[6].
ويمكن تعريفها من خلال الربط بين مفهوم التربية ومفهوم الإسلام بأنها "إحداث تغيير في سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه من وجهة نظر الإسلام" "[7].
3- الفكر التربوي : ويقصد به الآراء والتصورات والمبادئ التي قدمها علماء التربية أو النظرية التربوية كما يتصورها علماء التربية ."[8].
   فالفكر التربوي هو "ما أبدعته عقول الفلاسفة والمربين عبر التاريخ فيما يخص مجال التعليم الإنساني, وتنمية الشخصية وشحذ قدرتها ويتضمن النظريات والمفاهيم والقيم والآراء التي وجهت عملية تربية الإنسان" "[9].
4- الفكر التربوي الإسلامي : وهو عبارة عن مجموعة الآراء والأفكار والنظريات التي احتوتها دراسات الفقهاء والفلاسفة والعلماء المسلمين وتتصل اتصالاً مباشراً بالقضاء والمشكلات التربوية "[10].
ويقصد بها هنا التعرّف على الآراء والأفكار التربوية لابن خلدون .
الدراسات السابقة :
       هناك العديد من الكتاب الذين كتبوا عن ابن خلدون , وإن كانت في الغالب الأعم عن ابن خلدون عالم الاجتماع, وقد وردت قائمة كتب عن ابن خلدون وهي :
وهذا العرض للدراسات السابقة يوضح أن أكثر الكتابات عن ابن خلدون هي باعتباره عالماً كبيراً في الاجتماع , وقد


(1)  عبود , عبد الغني. (1977) ، في التربية الإسلامية، القاهرة ، دار الفكر العربي ، ص 148 .
(2)  عبد الرحمن, عائشة. (1970) ، تراثنا بين ماضي وحاضر، القاهرة: دار المعارف ، 138 .
(3)  عبود, عبد الغني. (1978) ، دراسة مقارنة لتاريخ التربية ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، ص 200 .
(4)  عاقل , فاخر، (1983) ، قاموس التربية ، بيروت ، دار القلم ، ص 27 .
(5)  النجيحي , محمد ، (1967) ، مقدمة في فلسفة التربية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ص 117 .
(6)  علي, سعيد ، (1978) ، أصول التربية الإسلامية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، ص 6
(7)  أبولاوي , أمين ، (1999) ، أصول التربية الإسلامية ، الدمام ، دار ابن الجوزي ، ص 18 .
(8)  عاقل , فاخر ، (1983) ، ( مرجع سابق ) 28 .
(9)  زياد , مصطفى ، (2002). الفكر التربوي مدارسه واتجاهات تطوره ، الرياض ، مكتبة الرشد ، ص 24
(10)  الخطيب , محمد وآخرون ، (1995) ، أصول التربية الإسلامية ، الرياض ، مكتبة الخريجي ، ص 11 .
---------------
وجدت بعض الكتب التي كتبت عن فكر ابن خلدون التربوي واستفدت منها وهي :

عنوان الكتاب
اسم المؤلف
سنة الطباعة
1- التربية الإسلامية دراسة مقارنة
أبو القاسم محمد
د. ت
2- ابن خلدون حياته وتراثه الفكري
حسن جغام
1352هـ
3- التربية الإسلامية وفلاسفتها
حسين عاصي
1395هـ
4- في الفكر التربوي الإسلامي
خالد حداد
1402هـ
5- التربية الإسلامية المفهومات والتطبيقات
زكريا إمام
1425هـ
6- تطور الفكر التربوي
ساطع الحصري
1402هـ
7- تطور الفكر التربوي الإسلامي
طه حسين
1420هـ



  
مقدمة خطة البحث
المبحث الأول :  لمحة عن حياة ابن خلدون
المطلب الأول :  حياتـــــــــــه
المطلب الثاني : أثــــــــــــاره
المبحث الثاني : مظاهر الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون
المطلب الأول : الظواهر الاجتماعية
المطلب الثاني : التاريــــــــــخ
المطلب الثالث : العمــــــــــران
المبحث الثالث : العصبية  و الدولة عند ابن خلدون
المطلب الأول : مفهوم العصبية عند ابن خلدون
المطلب الثاني : عمر الدولة و أطوارها
المبحث الرابع : المواقف والآراء التربوية في التربية الإسلامية عند ابن خلدون
المطلب الأول : أهداف التربية الإسلامية وأنواع العلوم عند ابن خلدون
المطلب الثاني : المبادئ التربوية في التربية الإسلامية عند ابن خلدون
المطلب الثالث : الآراء التربوية في التربية الإسلامية عند ابن خلدون
الخاتمة والنتائج
المراجع


مقدمة
    كان العالم قبل الإسلام نظام اجتماعي اختلف من منطقة إلى أخرى من معتقدات و في تأويلات و في تحريفات لأنه كان مستقي من تشريعات أشخاص كانوا و من ديانات سماوية تم تحريفها التي عانى البعض من  إحجامها في حقهم .
حتى جاء الإسلام الذي دعى إلى توصيد كل تلك المناطق و ذلك عن طريق تشريعات القرآن الكريم التي تشير إلى إبراز دور الدين الإسلامي الذي ينظم الحياة و الناس و الأسرة و الأخلاق و الاقتصاد كما تتحكم في باقي مجالات الحياة و كان للخلفاء الراشدين دورهم البارز في إرساء قواعد النظم الإسلامية سواء في نظام الخلافة و نظام القضاء و الخراج و شؤون بيت المال و موارده .
    لقد اشتهر الفاروق عمر بن الخطاب بفتح باب الاجتهاد في الفقه و التشريع كما اهتم بشؤون المال و الإدارة و لقد شجع بنو أمية و بنو عباس العلم و العلماء فظهرت طائفة ممتازة من الشعراء و الأدباء فلم يحود بهم الدهر كما ظهرت الفرق الإسلامية و الفلاسفة المتكلمون أمثال : الكندي ، الغزالي ، الفارابي  و ابن طفيل .

    ولكن كل هذا قد استطاع ابن خلدون أن يحتويه في الدراسة التي قام  بها  حول المجتمع الإسلامي  في  كتابه ً المقدمة ً .



المبحث الأول :  لمحة عن حياة ابن خلدون
المطلب الأول : حياتــــــــه
    هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي .
مؤسس علم الاجتماع ومؤرخ عربي مسلم من إفريقية في عهد الحفصيون و هي تونس حاليا ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليوم .
    ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م ( 732 ) هـ  . أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب ، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته ، وكان أبوه هو معلمه الأول  ، شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في أوساط القرن السابع الهجري,  وتوجهوا إلى تونس حاضرة العلوم آنذاك  ، كان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين .
    ينتهي نسبه بالصحابي وائل بن حجر الحضرمي الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا له . "اللهم بارك في وائل بن حجر وبارك في ولده وولد ولده إلى يوم القيامة.
    قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر, وعمل بالتدريس ، في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامع القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة ، مصر والمدرسة الظاهرية وغيرهم . "[1]
    وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها متميزا خاصة أنه سليل المدرسة الزيتونية العريقة و كان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب منزله "سيد القبّة" . توفي في القاهرة سنة 1406 م (808)هـ . ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك .

المطلب الثاني : أثــــــــــاره
    كان ابن خلدون دبلوماسيا حكيما . و قد أرسل في أكثر من وظيفة لحل النزاعات بين زعماء الدول : مثلا عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيرا له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما ، و بعد ذلك بأعوام استعان به أهل دمشق لطلب .
لم يترك ابن خلدون مؤلفات كثيرة حيث كان أثره الأدبي محدودا بعدده و ضخم بمحتواه فلم تتجاوز مؤلفاته الثلاثة و لكن بالرغم من ذلك انفرد ابن خلدون و تميز بالنوع الذي قدمه من نظريات هامة جدا في جوانب الفلسفة و السياسة و علم الاجتماع و التاريخ كما انفرد عن غيره بأن شكل إحدى ثمرات الفكر العربي الإسلامي في القرن التاسع هجري و ما بعده فقد استوعب التراث العربي الإسلامي و مثله على خير وجه .

    و قد ألف ابن خلدون في البداية كتابه ً لباب المحصل في أصول الدين ً فكان باكورة أعماله و تناول في هذا الكتاب الفلسفة الإسلامية و موضوعات تناولت البديهيات و النظر و الدليل و الموجودات عند الفلاسفة و المتكلمين .

    أما كتابه الثاني الذي اشتهر به فهو ً العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب و العجم و البربر...ً الذي تناول فيه فضل علم التاريخ و أسباب العمران و علله و أحوال التمدن و ما يعرض للاجتماع الإنساني و أخبار العرب و أجيالهم و دولهم و أخبار البربر و أشهر قبائلهم . أما الكتاب الثالث فهو ً التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب و رحلته شرقا و غربا ً و هو عبارة عن سيرة ذاتية كاملة كتبها عن نفسه فتناول نسبه و تاريخ أجداده في الأندلس و نشأته و مشايخه و الوظائف التي تقلدها .

علم الاجتماع و العمران عند ابن خلدون
   يعتبر الباحثون أن مقدمة ابن خلدون ليست من عمل مؤرخ  و إنما هي علم اجتماع و يؤكد ابن خلدون هذا القول ً و اعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة . غزير الفائدة . اعثر عليه البحث و أدى إليه الغوص ً و قد أشار البعض إلى ما تشتمل عليه دراسة الحالة الاجتماعية للإنسان على معرفة  الحالة التي تتصل بالبيئة سواء أكانت بدوية أو حضرية .و اثر كل منهما في طباع الناس و في عقلياتهم ثم دراسة نظام الأسرة و القبيلة و دراسة العوامل التي تسمح لبعض الشعوب بالتفوق على غيرها و تؤدي إلى تكوين الإمبراطوريات و قيام الأسرة الحاكمة و دراسة الاختلاف في الطبقات و في الصنائع و دراسة العلوم و الفنون و جميع التغيرات التي تنتج عن طبيعة الظروف المحيطة بالمجتمع و الكشف عن عوامل التخلف الاجتماعي و تاريخه .
    قسم ابن خلدون موضوعات العمران البشري إلى أقسام ضم كل منها طائفة غير يسيرة من الظواهر الاجتماعية للقوانين ، فهو يبحث عن مدى الارتباط بين الأسباب و المسببات ، و لم يكتف بالوصف و عرض الوقائع و بيان ما هي عليه ، و إنما اتجه اتجاها جديدا في بحوثه الاجتماعية ، جعله يعلن صراحة أن التطور هو سنة الحياة الاجتماعية ، و ذلك لأن الظواهر الاجتماعية غير قابلة للركود و الدوام على حالة واحدة ، و من ثم كانت الأنظمة الاجتماعية متباينة حسب المكان و الزمان فقال : ٌٌإن أحوال العالم و الأمم و عوائدهم و نحله لا تدوم على وتيرة واحدة و منهاج مستقر ، إنما هو اختلاف على الأيام و الأزمنة ، و انتقال من حال إلى حال ، و كما يكون ذلك في الأشخاص و الأوقات و الأمصار ، فكذلك يقع في الآفاق و الأقطار و الأزمنة و الدول ٌ فعالج ابن خلدون واقعات العمران البشري ، التي تشمل كل القواعد في الاتجاهات العامة التي يسلكها أفراد المجتمع في تنظيم شؤونهم الجماعية ، و ضبط العلاقات و تنسيقها فقد تحدث في القسم الأول في مقدمته عن تأثير البيئة بالإنسان أو ما يعرف اليوم باسم المورفولوجيا الاجتماعية .

    أشار ابن خلدون إلى تأثير المناخ في تشكيل الحياة الاجتماعية حين قال : ً الأقاليم المتوسطة مخصوصة بالاعتدال و سكانها من البشر أعدل أجساما و ألوانا و أخلاقا و أديانا حتى النبوأت إنما توجد فيها ...ً و تحدث في القسم الثاني عن تطور المجتمعات من الحالة الفطرية إلى الحالة المدنية فقد مثل العمران البدوي الدرجة الأولى في هذا التطور بينما مثل العمران الحضري أوجه و نهايته ، فأشار إلى هذا في المقدمة بالقول : " إن الحضارة هي نهاية العمران و خروجه إلى الفساد و نهاية للشر و البعد عن الخير فيعاني أهل الحضر من فنون الملاذ و عوائد الترف و الإقبال على الدنيا و العكوف على شهواتهم .... في حين إن أهل البدو مقبلين على الدنيا مثلهم إلا أنه بالمقدار الضروري و لا في أسباب الشهوات و الملذات ...ً "
أما القسم الثالث فقد تناول فيه النظم السياسية للمجتمعات أو ما يعرف اليوم باسم علم الاجتماع السياسي فقال : ً إن الدولة إذا انصرفت إلى الحق و رفضت الباطل و أقبلت على الله اتحدت و جهتها فذهب التنافس و قل الخلاف و حسن التعاون و التعاضد و اتسع نطاق الكلمة فعظمت الدولة ً . ثم تناول ابن خلدون النظم الاقتصادية في القسم الرابع أو ما يعرف اليوم بعلم الاجتماع الاقتصادي فالصنائع حسب رأيه تكسب صاحبها عقلا و تدبيرا و التجارة مكملة لذلك و هي إشتراء الرخيص و بيع الغالي لأنها محاولة الكسب بتنمية المال و قد وصف أمهات الصناعات في أيامه ، كالزراعة و العمارة و النسيج و التوليد و الطب و الورق و غيره .
و في القسم الخامس فقد أوسع فيه عن العلوم و الفنون متناول النواحي الثقافية و الفكرية أو ما يسمى بعلم الاجتماع الثقافي فقال : ً حسن الملكات في التعليم يزيد الإنسان ذكاء في عقله و إضاءة في فكره بكثرة الملكات الحاصلة للنفس ... و إن القلم هو المعين حين تكون السيوف مهملة في مضاجع أغمادها ً لقد اتبع ابن خلدون منهجا استقرائيا إستنتاجياً ، اعتمد فيه على الملاحظة ، ثم الدخول في الموضوع ، و بدون فكرة مبيتة ، لذلك جاءت قوانينه أقوى أساسا ، و أمتن بنيانا ، و أقرب إلى وقائع الأمور . و هكذا سار على منهج علمي سليم .و إن كان استقراؤه ناقصا بعض الشيئ ، لأن كثيرا من القوانين و الأفكار التي وصل إليها لا تطبق إلا على أمم عاصرها في فترة معينة .
مآخذ على ابن خلدون :
    مما يؤخذ عليه مبالغته في إعطاء البيئة الجغرافية أهمية كبرى في شؤون الاجتماع ، حتى جعلها حجر الزاوية في توجيه نشاط الشعوب و مدى تقدمهم و تأخرهم ، حقا إن المحيط الجغرافي له أثره في توجيه سلوكنا و تبايننا الحضاري ، و لكن ليس هو الكل .و إنما هو عامل من عوامل عدة أهمها :
1- العقيدة ثم الأحداث التاريخية و العوامل التكنولوجية و الانسياب الحضاري .
2- و إن شخصية بحجم ابن خلدون تستحق البحث و التقصي أوسع من مقال في صحيفة و الحقيقة أن  إعطاء نظرة شمولية عن الفكر المنهجي عند صاحب المقدمة ، و العمل على تحليل جوانب العبقرية و النبوغ عند هذا المفكر ، عملية تستوجب الاستيعاب الكامل لعطاءاته ،في مجالات لها اتصالها بنشاطات الفرد و الدولة و الأسرة و المجتمع ، و بالتالي تحدد المعايير الأساسية لممارسة الحياة بشكل يتلاءم مع العمران البشري و الاجتماع الإنساني في كل زمان و مكان .مهما تطورت الممارسات ، إن الإلمام بدراسة جانب محدد من جوانب حياة زاخرة بالإبداع الفكري و العطاء الثقافي و العلمي ، كحياة فيلسوف مثل ابن خلدون مسألة تقتضي البحث المسهب في ذلك التراث الأصيل الذي تركه للأجيال على مر العصور .

المبحث الثاني : مظاهر الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون
المطلب الأول : الظواهر الاجتماعية
    لقد تعرض ابن خلدون للظواهر الاجتماعية في دراسته و بحث كل ظاهرة في مكانها الخاص تبعا للتصميم الذي وضعه حسب تبويبه لعلم الاجتماع و لذلك نراه شديد الحرص على التعرض لهذه الظواهر في كل باب من أبواب علم الاجتماع و قام بتعرف الظواهر الاجتماعية بصفة موجزة في البداية و إن كان هذا التعريف لفهم الظواهر الاجتماعية عامل بناء على ذكر كل نوع في مكانه المحدد ، و مع ذلك فإمكاننا إن نتخذه كتعريف هام ما دام يشرونا إلى الجزيئات المتفرعة عن الكليات ضمنيا لأن هذه الكليات تشير لطبيعتها إلى تلك الأنواع المندرجة تحتها بالإضافة إلى ذلك يمكننا الوقوف عليها متى شئنا من خلال مطالعتنا لدراسة أراء ابن خلدون الاجتماعية .
لقد كان نبيها في إقتفاء أثر الظواهر الاجتماعية و التعرض لها بالبحث و التنقيب و التحليل و مدى أهمية كل منها في الحياة الاجتماعية  و أثرها في الأفراد و الجماعات و في هذا يقول :
(و لم أترك شيئا في أولية الأجيال و الدول و تعاصر الأمم الأولى و أسباب التصرف و الأحوال في القرون الخالية و الملل و ما يعرض في العمران من دولة  ، ومدينة وحلة ، وعزة و ذلة وكثرة و قلة وعلم وصناعة وكسب وإضاعة و أحوال متقلبة مشاعة ، و بدو و حضر . وواقع و منتظر إلى و استوعبت جملة و أوضحت براهينه و علله"[2]  ) .

     و هنا نرى ابن خلدون يذكر بعض الظواهر الاجتماعية و يكتفي بالإشارة إلى البعض الأخر مستندا في ذلك دراسة الجزيئات ضمن الكليات ثم يربط الظواهر الاجتماعية و الظواهر الطبيعية التي لها أثرها الفعال في الحياة الاجتماعية و ذلك كالطقس و الخصب و الجذب و الوعورة و السهولة ...

     لأن الظواهر الطبيعية تعمل على تكيف الظواهر الاجتماعية و تغيرها أو تطورها نظرا للعلاقة المتينة بين أفراد المجتمع و بين تلك الظواهر الطبيعية ، و من هنا نجد أن حياتهم تختلف باختلاف البيئة و تتخذ أشكالا متنوعة ، تبعا لظروف المجتمع و محيطه ، إن أحوال المجتمعات و مفاهيمها في تغير مستمر لا تسير على وتيرة واحدة ، و الظواهر الاجتماعية نفسها تتسم بالتفاعل و التداخل لأنه ليس بوسعنا أن نفصل عددا من الظواهر عن ظواهر أخرى في حياة مجتمع ما و لا سيما  إذا كانت تعتبر في الكيان الأساسي لبناء ذلك المجتمع ، و لهذا ينبغي للباحث أن لا يقتصر على وصفها و بيان ما ينبغي أن تكون عليه و إنما يعمل على تحليلها تحليلا يؤدي إلى الكشف عن طبيعتها و عن الأسس التي تقوم عليها و القوانين التي تخضع لها و هذا ما أشار إليه ابن خلدون في بحثه و أبرزه إلى الوجود حينما أكشف علم الاجتماع و

العوامل التي تؤثر فيه و إذا حللنا ظاهرة ما و أردنا الوقوف على عناصرها نجد أن بعض العناصر ترجع إلى ظواهر طبيعية و البعض الأخر يعود إلى ظواهر اجتماعية مماثلة لها و متفاعلة معها "[3].

الميل الفطري :
    توجد في الإنسان غريزة فطرية أو شعور تلقائي يدفعه إلى تحقيق التجمع و الاستئناس بأخيه الإنسان الذي يشاركه في السراء و الضراء و يخفف عنه الألم عند وقوعه و ذلك للحفاظ على النوع البشري الذي أراد الله أن يستخلفه في الأرض و يعمر به العالم و يبعد عنه الانقراض .

المطلب الثاني : التاريــــــــــخ
    يحدد بن خلدون أسس البحث التاريخي لقوله أم بعد : (( فإن في التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم و الأجيال و تشد إليه الركائب و الرحال ، و تسمو إلى معرفته السوق و الأغفال ، و تتنافس فيه الملوك و الأجيال و تتساوى في فهمه العلماء و الجهال إذا هو في ظاهرة لا يزيد على أخبار عن الأيام و الدول ، و السوابق من القرون الأولى ،تنمو فيه الأقوال و تضرب فيها الأمثال و تطرق بها الأندية إذا غصها الاحتفال و تؤدي إليها شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال و اتسع للدول فيها النطاق و المجال و عمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال و حان منهم الزوال و في باطنه نظر و تحقيق و تعطيل للكائنات و مباديها دقيق ، و علم بكيفيات الوقائع و أسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق و جدير بأن يعد في علومها و خليقة "[4] )) .

     و من هنا يتبين لنا بأن للبحث التاريخي خاصيتين أساسيتين هما : أن التاريخ فن و أن التاريخ علم هذا الأخير بكيفيات الوقائع دقيق و أما أنه فن فإن ذلك يلقي على المؤرخ تبعات التحقيق من صحة الروايات و الأقوال .فعليه أن يقوم بتمحيص أخبار لتمييز الحق من الباطل و التأكد من مطابقتها ، ثم هو في جوهره علم دقيق ينطوي على النظر و التحقيق و التعليل أي التعرف على الأسباب التي  تؤدي إلى وقوع الظواهر و حينما ينظر ابن خلدون إلى التاريخ على أنه علم عميق بالأسباب فإنه في الواقع يعبر عن وجهة نظر علم الاجتماع التاريخي الحق ، ذلك أن العالم الاجتماعي حين يدرس التاريخية لا يقنع بمجرد سرد و وصف هذه الوقائع في سباق الزمن و إنما يوجه كل اهتمامه إلى محاولة الربط بينها و اكتشاف الأسباب و النتائج و الخروج في نهاية الأمر بتعميمات يمكن أن تصدق عن الماضي ، و لعل ذلك هو

المفهوم العلمي للتاريخ الاجتماعي الذي وضع أصوله ابن خلدون .  و يضرب ابن خلدون مثلا واضحا في ما يجب أن يكون عليه البحث التاريخي بما فعله هو نفسه فبعد أن أطلع على الكتابات السابقة أنشأ في التاريخ كتابا أهتم فيه بإبراز  كل الحقائق الاجتماعية و السياسية التي تتعلق بمتعاقب الأجيال ، و أولية الدول و العمران . و اهتم فيه اهتماما بالغا يشرح أحوال العمران و التمدن "[5]  .

المطلب الثالث : العمــــــــران
    أكد ابن خلدون ضرورة وجود علم مستقل يتناول أمور الاجتماع الإنساني و العمران البشري ووضع لهذا العلم موضوعا و مجالا و منهجا و أقام بناؤه على أساس تأمل و النظر و خبرة فعلية واقعية واسعة النطاق على مساحة كبيرة شملت معظم أقطار العالم العربي بدأ من الأندلس إلى مصر و الشام و الحجاز .

    يقول ابن خلدون : ( أعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم و ما يعرض لطبقة لذلك العمران من الأحوال التوحش و التأنس و العصبيات و أضاف التقلبات للبشر على بعض و ما ينشأ من ذلك من الملك و الدول و مراتبها و ما ينتحله البشر بأعمالهم و مساعيهم من الكسب و المعاش و العلوم و الصنائع و سائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال ........)"[6] .

    و حينئذ فإن سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه ، و كان ذلك لنا معيارا صحيحا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق و الصواب فيما ينقلونه .
    و التاريخ لا يكون صحيحا مقبولا إلا إذا ربط نفسه أكثر فأكثر باجتماع الإنساني ( العمران البشري ) و ما يلحق به من الأحوال و لذلك يؤكد ابن خلدون أن ذلك يستدعي وجود علم مستقل ، قائم بذاته لدراسة الواقعات الاجتماعية و في ذلك يقول في نص واضح تماما : ( ... و هذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا و كان هذا مستقل بنفسه فإنه ذو موضوع و هو العمران البشري و الاجتماع الإنساني ، و ذو مسائل و هي بيان ما يلحقه من العوارض و الأحوال لذاته واحدة بعد أخرى و هذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا . ) إذا فعلم العمران البشري علم مستقل يتناول بالدراسة كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية . و هذا العلم في رأي ابن خلدون ( مستحدث ) فحقائق العمران البشري مرتبطة بالملكات التي اختص الله الإنسان دون سائر الحيوانات و لعل أهمها السعي في المعاش و الحاجة إلى الحاكم و السلطان .
و يقسم ابن خلدون مجالات الدراسة في العمران البشري إلى عدة أقسام منها :
* العمران البشريعلى الجملة أو الاجتماع العام و يوضح فيه حدود العلم و أهميته .
* العمران البدوي : و يتناول القبائل و الأمم الوحشية و يعتبر هذا النوع من العمران سابق على كل أنواع العمران الأخرى ، الدول و الخلافة و الملك و ذكر المراتب السلطانية و هو في الاجتماع السياسي و يتناول موسع نظرية القوة و الدولة .
* العمران الحضري : و هو البحث في المدن و الأقطار في الصنائع و الكسب و المعاش و هو بحث في الاجتماع الصناعي و الاقتصادي في العلوم و اكتسابها و تعلمها ، و هو بحث في الاجتماع التربوي .

    و يقول ابن خلدون : ( لا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحياونية من العدوان و الظلم .... ، فيكون ذلك الوازع واحدا منهم يكون له عليهم الغلبة و السلطان و اليد القاهرة ، حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان و هذا هو معنى الملك )."[7]
    و هكذا نجد ابن خلدون يحلل العمليتين الاجتماعيتين الرئيستين في الحياة الاجتماعية و هما التعاون أو التضامن و التصارع أو العدوان ثم يؤسس على ذلك وجهة نظر السياسية التي مؤداها ، أنه بدون الوازع أو الحاكم يستحيل قيام نظام اجتماعي و هو لذلك يقول : (( الدولة دون العمران لا تتصور ، و العمران دون الدولة و الملك معتذر ، لما في طباع البشر العدوان الداعي إلى التنازع )) .
    إذن الحياة الاجتماعية شيء أساسي و ضروري و أن الحياة الفردية ضرب من الخيال بالنسبة للحياة الإنسانية لأن مصلح الأفراد متوقفة على بعضهم البعض في مختلف الميادين و بالخصوص المسائل الهامة التي تتوقف عليها حياة الأفراد ، و يرجع ابن خلدون التجمع البشري إلى ثلاثة عوامل أساسية هي :
1 ـ ضرورة اقتصادية :
    لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها بصفتها رغبة حتمية فكان من الضروري أن يجتمع  من غيره لتأمين حاجياته فتعاون و تظاهر جهود الأفراد يِؤدي ذلك إلى توسع دائرتها و كثرة الأرزاق فانتقل المجتمع فيها من الضروريات إلى توفير الحاجيات و الكماليات ، و منه فإن الحياة الاقتصادية لا يمكن أن تزدهر إلا في الحياة الاجتماعية .
2 ـ الدفاع :
    لقد خلق الإنسان ناقصا في بدنه إلا أن الله جهزه بأداة أعظم و أخطر من تلك القوى الأخرى التي تملكها بعض الحيوانات و هذه الأداة هي العقل . الذي به يفكر و يدبر لاستكمال ذلك النقص و التغلب على قساوة الطبيعة ، إلى أن الإنسان وجد نفسه أمام مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها و هي الصراع القائم بينهم مما اضطرهم إلى الاجتماع لتنظيم حياتهم "[8].
3 ـ الحياة البدوية و الحضرية :
    يرى ابن خلدون أن حياة البدو أقدم من الحضر و سابق عليه بل أن البادية هي أصل العمران و الأمطار و المدن مدد لها و معنى ذلك بعبارة أخرى أن الحياة الزراعية هي الأصل و أن الحياة الحضرية تقوم عليها و تنشأ عنها ، إذن فالبدو حين تتسع أمامهم أفاق الحياة يتجهون إلى الاستقرار و التحضر ، أي أن التحضر يعني الإقامة في المدن  فحياة البادية هي حياة البساطة و التلقائية و حياة طبيعية على حين تتسم حياة الحضر بأنها أكثر تعقيدا و تركيبا ، فلا شك أن الضروري أقدم من الحاجي و الكمالي فرع ناشئ  عنه ، فالبدو أصل للمدن و الحضر ، و سابق عليهما لأن أول مطالب الإنسان الضروري لا ينتهي إلى الكمال و الترف إلا إذا كان الضروري حاصلا ، فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة ، و يرى ابن خلدون أن الصناعة مثلا عند المجتمعات المتحضرة تعتمد على العلم و أن أهلها اجتازوا مرحلة البداوة القائمة على الضروريات إلى مرحلة الحضارة التي تتوفر فيها الإمكانيات فهم يعملون على تطور الصناعة باستمرار ، أما الصنائع في العمران البدوي ( قليل السكان )  تبقى مقتصرة على الصناعة البسيطة التي يحتاج إليها الناس و خاصة الضروريات منها و هي ليست غاية في ذاتها إنما هي وسيلة للعيش ."[9]

    و لهذا لا تكتسب الجودة و الإتقان و إنما يكون تقدمها بطيئا و هذا يقول في شأنه ابن خلدون : (( أن العرب أبعد الناس عن الصنائع و ذلك لأنهم أعرق في البداوة أبعد عن العمران الحضري و ما يدعو إليه من الصنائع ))."[10]


(11)  مقدمة ابن خلدون عبد الرحمن ، (1416هـ ) ، المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، ، الفصل السادس .
(12)  مقدمة ابن خلدون عبد الرحمن ، (1416هـ ) ، المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، الفصل السادس .
(13)  مكتب التربية العربي لدول الخليج ، من أعلام التربية الاسلامية  ، م 4 ، 1409ه/1989م ، ص 123 .
(14) مقدمة ابن خلدون عبد الرحمن محمد ، (1416هـ ) ، المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، الفصل السادس .
(15) مكتب التربية العربي لدول الخليج ، من أعلام التربية الاسلامية  ، م 4 ، 1409ه/1989م ، ص 124 .
(16) مقدمة  ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد ، (1416هـ ) ، المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، الفصل السادس .
(17)  مكتب التربية العربي لدول الخليج ، ( مرجع سابق ) ، ص 124 .
(18)  مكتب التربية العربي لدول الخليج ، ( مرجع سابق ) ، ص 125 .
(19)  مكتب التربية العربي لدول الخليج ، ( المرجع السابق ) ، ص 126 .
(20)  مكتب التربية العربي لدول الخليج ، ( المرجع السابق ) ، ص 127 .
---------------

 
 

المبحث الثالث : العصبية و الدولة عند ابن خلدون
المطلب الأول : مفهوم العصبية عند ابن خلدون
أساس الاجتماع البدوي العصبية .

     العصبية هي ( النعرة على ذوي القربى و أهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة . و تكون العصبية في أهل النسب الواضح و في من صاهرهم أو انتسب إليهم بالولاء أو الحلف ) .
     و الأصل  في العصبية القرابة من النسب ، و لكن النسب لا قيمة له في العصبية إلا إذا افده رابط من المصلحة و الجوار .
     و العصبية الكبيرة تتألف من عصبيات صغار متفاوتة في القوة ، و ما دام هناك في العصائب الملتحمة عصبية واحدة فقط معزف لها بالشرف و التقدم و المنعة ، فالرئاسة على سائر العصائب من يبنها كلها .
     و العصبية تنتج جاها و سلطانا و شرفا ، و لكن هذه كلها تستمر عموما أربعة أجيال فقد فإن نهاية السحب في العقب الواحد أربعة آباء  ، و يكون ذلك :
( أ ) بانقلاب الرئاسة بالعصبية ملكا فتنشأ الدولة .إذا كان لامرئ سؤود ، و كان قومه يتبعونه  طوعا فذلك هو الرئاسة بالعصبية المألوفة في البدو ، و أما إذا احتاج صاحب العصبية إلى التغلب على يده و إلى قهرهم حتى يحملهم على طاعته فذلك هو الملك لا يحصل إلا بالغلب ، و الغلب لا يكون إلا بالعصبية و لا يكون ذلك عادة إلا مع البدو فطور الدولة من أولها بداوة ، و بما أن الملك يدعو إلى الترف فإن الحضارة تتبع البداوة ضرورة لضرورة تبعية الرفه للملك .

(ب) و الملك يدعو إلى نزول الأمطار ( المدن ، أو إلى إنشائها ) طلبا للدعة و السكون و حبا بالترف ، و نزول الأمطار يدعو إلى الاعتمار من بتاء الدور و إنشاء البساتين ، إذا حصل الملك ( استقر تبعه الرفه و اتساع الأحوال . و الحضارة إنما هي تفنن في الترف و إحكام الصنائع المستعملة في وجوهه و مذاهبه من المطابخ و الملابس و المباني ) .

(ج ) و بإتساع الملك في الحضر تنشأ الدولة على الحقيقة و تستقر ، إن الرئيس بالعصبية ( في البدو ) يكون في الحقيقة حكما في منازعات قومه و حاملا عنهم أعبائهم ، فهو في الحقيقة خادم لهم ، و المثل العربي  [ سيد القوم خادمهم ] . أما في الحضر فالملك محتاج إلى  عصبية جديدة لقهر الرعية على طاعته ، ثم هو محتاج إلى من يعاونه في الحكم و الدفاع عن الملك فتنشأ المرافق المختلفة : القضاء ، الجباية ، الجيش ، و الأسطول ، و تلك هي الدولة إدارة الملك و الدفاع عنها و للدولة نطاق من الأرض لا تتعداه أو كما يقول ابن خلدون حصة الممالك و الأوطان لا تزيد عليها ، هو السبب في ذلك أن الملك إنما يكون بالعصبية و أهل العصبية هم الحامية الذين ينزلون بمملك الدولة و أقطارها و ينقسمون عليها فإذا كان أهل عصبيتها أكثر عددا كانت هي أقوى و أكثر ممالك و أوطانا ، و كان ملكها أوسع . و إذا كان مع العصبية دعوة دينية ، كما كان الشأن في صدر الإسلام كانت الدولة أشد قوة و أثارا في الأرض ، غير أن الدين وحده لا ينشئ دولة ، بل لا بد للدين نفسه من عصبية حتى ينتشر و يستقر ، و بما أن العرب خاصة أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة و الأنفة و بعد الهمة و المنافسة فقلما تجتمع أهوائهم على واحد منهم إلا بصبغة دينية ، ثم هم بعد ذلك أسرع الناس قبولا للحق و الهدى و سلامة طباعه ، و الملك عند العرب ( في الإسلام ) هو الخلافة أو الإمامة ، و هي النيابة عن صاحب الشرع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .في إقامة أمور الدين و الدنيا معا .
    و الملك عند ابن خلدون أمر طبيعي للبشر ، إذ أن كل اجتماع إنساني بحاجة إلى وازع أو حاكم يقيم العدل و يدفع بعض الناس عن بعض ، و الملك على الحقيقة لمن يستعبد الرعية و يجني الأموال و يبعث البعوث ( يحارب العدو ) و يحمي الثغور ( الحدود التي يخشى منها مجيء العدو برا أو بحرا ) و لا تكون فوق يده قاهرة ... و مصلحة الرعية في السلطان لست في ذاته و جسمه و حسن شكله و ملاحظة وجهه أو عظم جثمانه أو اتساع علمه ... و إنما مصلحتهم أن يكون ملكه عليهم صالحا جميلا .

المطلب الثاني : عمر الدولة و أطوارها
     تتقلب عصبية الدولة في أربعة أجيال مدى كل جيل ثلاثون سنة فيصبح عمر العصبية في الدولة مئة و عشرين سنة قد تزيد قليلا أو تنقص قليلا .
أما الجيل الأول فيكون أهل الدولة بداوة و خشونة و بسالة و شجاعة فيكون جانبهم مرهوبا و الناس لهم مغلوبين ، و أما في الجيل الثاني فإن الملك يتحول بالترف من البداوة إلى الحضارة فتنكسر في أهل الدولة صورة العصبية ، و لكنهم يظلون يتذكرون شيئا من مجدهم الأول فيحاولون التشبه بأهل الجيل الأول و يدافعون عن ذاتهم ، و أما الجيل الثالث فينغمس أهل الترف و ينسونا عهد البداوة و تذهب عصبيتهم جملة و يعجزون عن المدافعة و لا يبقى لهم إلا مظاهر القوة من الشارة و ركوب الخيل بلا فروسية و لا شجاعة ، عندئذ يحتاج صاحب الدولة إلى أن يستظهر بغيرهم ، و هكذا ينقرض الحسب ( مجد أهل الدولة ) في الجيل الرابع . في هذه الأجيال الأربعة من عمر الحسب في أهل الدولة تتقلب الدولة نفسها في خمسة أطوار في الغالب ( و إ، كانت حقيقة أربعة ) .

الطور الأول :
     طور الظفر للبغية و الإستلاء على الملك ، و كون أهل الدولة كلهم عصبية واحدة قوية يشتركون في اكتساب المجد و جباية الأموال و في الحماية و المدافعة ، و لا يستبد صاحب الملك دون أهل عصبيته في شيء .
الطور الثاني :
    طور الاستبداد و الإنفراد بالملك و مدافعة المنافسين ، في هذا الطور يصطنع صاحب الدولة الموالي و يستكفر منهم استظهارا على أهل عصبيته و عشيرته الذين لهم في الملك من الحق مثل ماله ، ثم يحاول أن يقر الملك ( ولاية العهد ) في نسله هو .
الطور الثالث :
     طور الفراغ و الدعة لتحصيل ثمرات الملك من التمتع بالترف و الاستكثار من المال و تشييد الهياكل و الأمصار ( المدن )  و التوسعة في الرزق على الجيوش و البطانة .

الطور الرابع :
     طور القنوع و السياسة للخصوم و تقليد الملك للماضين من سلفه في ظاهر أمورهم ضنا منه أنه بذلك يستر ضعفه عن عيون مواليه و أنصاره .
الطور الخامس :
    طور الإسراف و التبذير و الانصراف إلى الشهوات و اصطناع بطانة السوء و الغفلة عن أمور المملكة ، فيعقد جمهور القوم و كبار الرعية عن نصرة صاحب الملك و يحقدون عليه فيفسد جنده و جبايته و يحتل أسره و يزول ملكه .
و يحسن أن نلاحظ أن ابن خلدون يقصد بالدولة هنا الأسرة الحاكمة .
و تحتاج الدولة فبقائها إلى عصبية قوية هي حاميتها و جيشها ، و هذه تحتاج في قوامها إلى مال [[ و مال دولة يأتي من الجباية ( الضرائب ) ]] .
إن الجباية تكون في أول الدولة قليلة الوزائع كثيرة الجملة ، و في آخر الدولة تكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة . و ذلك لأن الدولة في أول أمرها تكون بدوية فيكون مقدار ما يأخذ من الضريبة قليلا ، و قد تغفل الدولة البدوية عن جمع الضرائب أيضا ، و لذلك يكثر العمران و بكثرة العمران يزيد عدد الوزائع و يكثر مجموع الجباية .

     و لكن إذا أشرفت الدولة على الحضارة كثرة شهوات أهلها و عدد رجالها فتحتاج حينئذ إلى أموال كثيرة فتلجأ إلى الشدة في جمع الجباية ، فيلجأ أهل الدولة إلى زيادة مقدار الجباية فينكمش الناس عن البناء و عن النشاط فتقل  جملة الجباية . حينئذ يلجأ أهل الدولة إلى زيادة عظيمة و إلى إيجاد أنواع جديدة منها .

المبحث الرابع : المواقف والآراء التربوية عند ابن خلدون
المطلب الأول : أهداف التربية الإسلامية وأنواع العلوم عند ابن خلدون

يرى ابن خلدون أن للتربية الإسلامية أهدافاً هي :
1- إعطاء الفرصة للفكر لكي ينشط .
2- إعطاء الإنسان الفرصة لكي يحيى حياة طيبة في مجتمع راق متحضر.
3- إعطاء الإنسان الفرصة لكسب الرزق وتنمية الخصال الحميدة فيه ويعتبر أن الأساس في التعلّم القرآن الكريم "[1]. وقد ذكر علي وآخرون "[2]  أن ابن خلدون قسم العلوم إلى قسمين :
الأول : العلوم النقلية : وهي العلوم التي ينقلها الإنسان عمن وضعها, وكلها مستندة إلى الخبر من مصدره الشرعي ولا مجال للعقل فيها, إلا إلحاق الفروع بالأصول, ومن هذه العلوم, علم التفسير, علم القراءات , علوم الحديث , علم أصول الفقه , علم التوحيد, علم البيان, علم الأدب .
الثاني : العلوم العقلية : وهي التي يهتدي إليها الإنسان بعقله وهي تشمل علم المنطق والعلم الطبيعي, والعلم الإلهي ( ما وراء الطبيعة ) وعلم النظر في المقادير ( الرياضيات والفلك والهندسة ) .
وقد رتب ابن خلدون العلوم بحسب أهميتها للمتعلم على النحو التالي :
1- العلوم الدينية وهي العلوم المقصودة بالذات مثل القرآن الكريم والحديث الشريف .
2- العلوم العقلية وهذه أيضاً علوم مقصودة مثل العلم الطبيعي .
3- العلوم الآلية المساعدة للعلوم الشرعية مثل اللغة والنحو والبلاغة .
4- العلوم الآلية المساعدة للعلوم العقلية مثل علم المنطق "[3].
المطلب الثاني : المبادئ التربوية عند ابن خلدون : "[4]
المبدأ الأول :
    الفكر الإنساني هو الفارق الأساس بين الإنسان والحيوان ، لأنه مصدر قوة هذا الإنسان ؛ التي تسمح له بتحصيل معاشه في إطار اجتماعيته ببني جلدته ، ومصدر تفكره وتفكيره في ذاته وعالمه الخارجي بما فيه عالم الغيب ، ومصدر تفوقه على الحيوانات وتسخيرها لصالحه .
    فقد قال العلامة ابن خلدون : ( الفكر الإنساني ، الذي تميز به البشر عن الحيوانات واهتدى به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والنظر في معبوده، وما جاءت به الرسل من عنده ؛ فصار جميع الحيوانات في طاعته وملك قدرته وفضله به على كثير خلقه ) .
    فهذا الفكر هو منبع العلوم والصنائع من حيث أن الإنسان يديم التفكير في نفسه ومحيطه وعالمه الدنيوي والأخروي لاستخلاص الحقائق والقوانين عن الظواهر الكونية التي تشكل الأرضية الصلبة للعلم والصنائع ؛ فـ ( عن هذا الفكر تنشأ العلوم وما قدمناه من الصنائع ) و  ( يكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات ، فيرجع إلى من سبقه بعلم، أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك، أو أخذه ممن تقدمه من الأنبياء الذين يبلغونه لمن تلقاه؛ فيلقن ذلك عنهم ويحرص على أخذه وعلمه . ثم إن فكره ونظره يتوجه إلى واحد واحد من الحقائق ، وينظر ما يعرض له لذاته واحدا بعد الآخر، ويتمرن على ذلك حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكة له، فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علما مخصوصا. وتتشوف نفوس أهل الجيل الناشئ إلى تحصيل ذلك، فيفزعون إلى أهل معرفته ويجيء التعليم من هذا ) .
المبدأ الثاني :
    العلم والتعليم والتعلم طبع إنساني، بمعنى أن التعليم والتعلم والعلم أمر طبيعي في البشر، ومن ثم لا توجد معرفة خارج المجتمع الإنساني ( فقد تبين بذلك أن العلم والتعليم طبيعي في البشر ) كما يقول ابن خلدون ؛ وهو بذلك يسوق قانونا علميا أثبتته الدراسات الحديثة، حيث ما يصدر عن الحيوانات من أفعال و سلوكات هي غريزية بطبعها وليست ناتجة عن التعلم إلا ما شذ منها .
فقد وجد العلماء أن الإنسان عندما يخرج عن الجماعة الإنسانية وعن طبيعته يفقد تلك الخاصية التي تتعلق بإنسانيته. فالأطفال المتوحشون دليل قاطع على أن التعلم والعلم خصيصة إنسانية .
وما يزكي هذه الخصيصة أنها قائمة على الفكر واللغة ، وهما لا يوجدان خارج المجتمع .

المبدأ الثالث:
     ارتباط العلوم والإدراكات بالمحسوسات ، بمعنى انبثاق التنظير من الواقع المحسوس أو المفترض .
كما بين العلم الحديث الذي يرى فيها الموضوعات العلمية موضوعات منشأة عن الموضوعات المحسوسة. فـ ( العلم ينطلق من الواقعي ليبتعد عنه مادامت المعرفة ليست هي الملاحظة الحسية، بل هي خلق لكلام جديد وإضافة إلى الواقع الذي تنطلق منه. إن المعرفة تحويل للواقع المعطى وتغيير له، والعلم يعمل على تنظيم المعطيات ولا يكتفي بتعدادها. إنه ينظمها ويرتبها ويقيم علاقات بين عناصرها بغية تحويلها إلى شيء قابل لأن يكون موضوع علم .
    إن المادة شيء والموضوع شيء آخر. إنه الشيء المستهدف، الشيء المبني انطلاقا من المادة، إنه الموضوع المعرفي ). وهذا ما ذهب إليه ابن خلدون عندما قال: ( النفس الناطقة للإنسان، إنما توجد فيه بالقوة. وأن خروجها من القوة إلى الفعل إنما هو بتجدد العلوم والإدراكات عن المحسوسات أولا ؛ ثم ما يكتسب بعدها بالقوة النظرية إلى أن يصير إدراكا بالفعل وعقلا محضا؛ فتكون ذاتاً روحانية وتستكمل حينئذ وجودها. فوجب لذلك أن يكون كل نوع من العلم والنظر يفيدها عقلا فريدا، والصنائع أبدا يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من تلك الملكة. فلهذا كانت الحُنكة في التجربة تفيد عقلا، والملكات الصناعية تفيد عقلا ).
المبدأ الرابع :
   التعليم/التربية عند ابن خلدون من الصنائع ؛ بمعنى وجوب امتلاك كفاياتها النظرية والتطبيقية عبر التمرن والمراس والبحث والدراسة.
وبذلك تنتفي العشوائية والارتجال عن فعل التربية والتعليم عند ابن خلدون؛ لما يتطلبه من المعرفة العلمية الدقيقة بما هي التربية والتعليم. فقد قال: ( ذلك أن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه، إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله. وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلا. وهذه الملكة هي في غير الفهم والوعي. لأنا نجد فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد ووعيها ، مشتركا بين من شدا في ذلك الفن، وبين من هو مبتدئ فيه ؛ وبين العامي الذي لم يُحصِّل علما ، وبين العالم النحرير ) . وبما أن التعليم/التربية صناعة فلابد لها من معلم وأستاذ يعلمها ويمكن طالبها من كفاياتها وأسسها ومعارفها وتقنياتها ، فقد قال ابن خلدون في شأنه : ( والملكات كلها جسمانية ، سواء كانت في البدن أو في الدماغ، من الفكر وغيره ، كالحساب والجسمانيات كلها محسوسة ، فتفتقر إلى التعليم.

ولهذا كان السند في التعليم في كل علم أو صناعة يفتقر إلى مشاهير المعلمين فيها معتبرا عند كل أهل أفق وجيل.     ويدل أيضا على أن تعليم العلم صناعة اختلاف الاصطلاحات فيه. فلكل إمام من الأئمة المشاهير اصطلاح في التعليم يختص به، شأن الصنائع كلها ).
والصناعة لابد لها من جانب نظري وآخر عملي، حيث ( أن الصناعة هي ملكة في أمر عملي فكري ) .
ويذكر أحمد "[5] أن ابن خلدون شدد على استمرارية التعليم من المهد إلى اللحد وأنه ليس هناك حد ينتهي عنده التعليم, وسوف أذكر الآن أهم الآراء التي ذكرها ابن خلدون في مقدمته .

المطلب الثالث : آراء ابن خلدون في التربية الاسلامية
1- أن كثرة التآليف في العلوم عائقة على التحصيل :
    فقد كان جبريل يقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ "[6] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئ أصحابه ، ذكر القرطبي عن أبي عمرو الداني بإسناده عن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر فلا يتجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، قالوا : فيعلمنا القرآن والعمل جميعاً. وعلى هذا درج المسلمون إلى عصرنا هذا في تلقي القرآن على يد شيخ .
يقرر ابن خلدون أن العقل الإنساني يشوبه القصور, وأن مراتبه تختلف باختلاف البشر, وخاصة في المراحل الأولى من حياة الإنسان , وقد ذكر أن عقل الإنسان لا يستطيع أن يستوعب العلوم التي تكثر فيها المصطلحات والمؤلفات وقد ذكر في المقدمة (د. ت, ص 1230) "اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعليم, وتعدد طرقها, ثم مطالبة المتعلم باستحضار ذلك" ويقصد ابن خلدون هنا, كثرة المؤلفات والمصطلحات في العلم الواحد, بحيث يؤدي ذلك إلى نفور المتعلم من التعليم, وابن خلدون يهدف إلى التيسير علم المتعلم وبالخصوص في بداية عهد الطالب بالتعليم .
ومن الدوافع لدى ابن خلدون لكتابة هذا الفصل كثرة طرق التدريس في عهده, حيث انتشر في عهده الطريقة القيروانية والمصرية والبغدادية والقرطبية وغيرها. وكان المطلوب من الطالب أن يميز بين هذه الطرق, لدرجة أنها أصبحت هي المقصودة بالتعليم وهذا خطأ كبيرة فالطرق وسيلة وليست غاية. وفي ذلك يقول ابن خلدون "ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية, وطرق المتأخرين عنهم والإحاطة بذلك كله, والمتعلم مطالب باستحضارها جميعها وتميز ما بينها, والعمر ينقضي في واحد منها" (المقدمة, د. ت, ص 1231).
مما تقدم يظهر لنا أن ابن خلدون نادى بمراعاة قدرات الطلاب , وأن لا نثقل عليهم بما هو فوق طاقتهم , وأن يتم التعليم بيسر وسهولة حتى يقبل الطلاب التعلم, وتزيد الدافعية لديهم , وأن لا يكون التعليم منفراً لهم. وهذا الذي تنادي به التربية الحديثة , وقد ظهرت النظريات المتعددة التي تنادي بمراعاة الفروق الفردية بين الطلاب , كما ظهر مبدأ التدرج في التعليم , والانتقال من السهل إلى الصعب ومن المحسوس إلى المجرد .

2- عدم إشغال المتعلم بعلمين في وقت واحد :
    إن القرآن استعان بلسانين لإبلاغ رسالته وهما: الاستدلال المنطقي والإحساس. ولكل هذين اللسانين مخاطب خاص به، فمخاطب الأول العقل ، ومخاطب الثاني القلب.
وفي اللغة الخِلْطُ : ما خالط الشيءَ .
و الخِلْطُ الشيءُ يؤلَّف مع أَشياءَ أُخرى . والجمع : أَخلاط ، يقال : خلَّطَ في أَمرِه : أَفْسَد فيه . "[7] وقال تعالي :    ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ "[8]
﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ "[9]
ويذكر الإمام الحارس المحاسبي في رسالته (ماهية العقل وحقيقته) معنى العقل وفضله فيقول : أنه غريزة وضعها الله سبحانه وتعالى في أكثر خلقه ,لم يُطلع عليها العباد بعضهم من بعض , ولا أُطلعوا عليها من أنفسهم برؤية ولا بحس ولا ذوق ولا طعم ,وإنما عرفهم الله إياها.
إن تعليم الطلاب علمين في وقت واحد , يشغل الطلاب ويعرضهم للفشل والإحباط , وذلك لأن عقل الإنسان محدود, وغير قادر على الإحاطة بأكثر من علم في وقت واحد , وفي ذلك يقول ابن خلدون "أن لا يخلط على المتعلم علمان معاً , فإنه حينئذٍ قلّ أن يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفهم الآخر , فيستغلقان معاً ويستصعبان , ويعود منهما بالخيبة , وإذا تفرغ الفكر لتعلم ما هو بسبيله مقتصراً عليه, فربما كان ذلك أجدر بتحصيله (المقدمة, د. ت, ص 1225) .
والمقصود به"أن لا يخلط على المتعلم علمان معا"؛ لأن الخلط يترتب عليه انقسام الذهن وتوزيع التركيز. فتنشأ عن ذلك عقبات تعلمية أهمها الاستغلاق والاستصعاب. ولا يجني المتعلم بالتالي سوى الخيبة. في المقابل إذا تفرغ الفكر إلى فن واحد فقد يتمكن من التحصيل الجيد. وابن خلدون نفسه يتحدث عن هذه الفكرة بشيء من التردد:"... وإذا تفرغ الفكر إلى تعلم ما هو بسبيله مقتصرا عليه فربما كان ذلك أجدر لتحصيله .
كما أنه نادى أن يتم تعليم القراءة والكتابة ثم الانتقال إلى تعليم القرآن الكريم وحفظه وفهم معانيه , وهو ينتقد المعلمين في عصره لأنهم يصرون على تحفيظ المتعلمين الصغار القرآن الكريم, قبل تعلّم القراءة والكتابة ويقول أن القرآن الكريم هو كتاب الله, وليس لنا أن نقلده , وليس له تأثير في اللغة قبل أن يفهم الناشئة معانيه ويتذوقون أساليبه, ويدركون مقاصده, ويكون ذلك بتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة , وليس العكس مراعاة للترتيب المنطقي (أحمد, 1982 ص 157) "[10].
كما أن تركيز ابن خلدون على حصر التعلم في علم واحد , في الزمن الواحد , يؤدي إلى تمرين العقل , ثم يتقبل العلوم الأخرى بسهولة, ويقول علماء التربية في ذلك أن تدريب العقل بمادة من المواد يجعله قادراً على التفكير في المواد الأخرى ويمكنه في الإجادة في كل مادة , وهذا بسبب انتقال أثر التدريب من هذه المادة إلى المواد الأخرى "[11].

3- التدرج في تدريس العلوم للمتعلمين :
    إن التدرج هو الميزة البارزة في مسار الرسالة القرآنية الخالدة ، وفي اللغة يقال  : تَدَرَّجْ ، مصدر تَدَرُّجٌ ، ويقال" تَدَرَّجَ فيِ دِرَاسَتِهِ " : تَقَدَّمَ شَيْئاً فَشَيئْاً . " يتَدَرَّجُ فِي العُلُومِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ " "[12].
تَدَرَّجَ إِلَى مَقَاصِدِهَا " : تَقَدَّمَ إِلَيْها شَيْئاً فَشَيئْاً ، فالقرآن الكريم المنزل من عند الله رب العالمين نزل منجما قال الحق جل ثناؤه: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا"[13] ، ثم إن التربية القرآنية للصحابة رضي الله عنهم كانت متدرجة فبدأت بتصحيح العقيدة ونبذ الشرك والأوثان وإفراد الله تعالى بالعبودية ، ثم بعد بضع سنين من تصحيح العقيدة وتثبيتها في قلوب المؤمنين فرضت الصلاة ثم الصوم وباقي الأركان... وكذلك التدرج في تحريم المنكرات مثل الخمر كان على مراحل بدأ بتذكير المؤمنين بما له من مضار ومفاسد ثم بعد ذلك كان التحريم النهائي على وجه القطع.
ومن أول من أشار إلى التدرج أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حيث تقول : ( إنما نزل أوَّل ما نزل منه - أي القرآن - سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمر أبدًا ، ولو نزل لا تزنوا لقالوا : لا ندع الزنا أبدًا ) "[14] .
وحينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ـ رسله وأصحابه للدعوة إلى الإسلام أمرهم أن يراعوا سنة التدرج في دعوتهم ، فيبدءوا بالدعوة إلى عقيدة التوحيد قبل كل شيء ، كما في قصة معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما بعثه إلى اليمن أوصاه قائلا : ( إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب ) "[15] .
وقد بيَّن ابن حجر في شرحه لهذا الحديث الحكمة من التدرُّج فقال : " أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب النزول ، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد ، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة ، وللكافر والعاصي بالنار ، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام ، ولهذا قالت : ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها ، وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف " .
وهذا من الأشياء التي نادى بها ابن خلدون , وذلك بأن يبدأ المعلم مع طلابه بالبسيط الذي يقبله عقله, ثم يتدرج معهم مستخدماً التكرار مع استعمال الأمثال الحسية , وبذلك يتم للمتعلم الحصول على العلم ويقول ابن خلدون في ذلك  "اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدريج" (المقدمة, د. ت, ص 1233) , وقد ذكر الحصري "[16] أن ابن خلدون قرر ثلاث قواعد عامة للمعلم وهي :
1- على المعلم أن لا يخلط مباحث الكتاب الواحد بكتاب آخر .
2- أن لا يطيل الفواصل بين درس وآخر .
3- أن لا يخلط على المتعلم علمين معاً .
ونلاحظ أن ما قاله ابن خلدون لا يختلف عما ينادي به علماء التربية في الوقت الحاضر, من كيفية التعامل مع المتعلم وخاصة في المراحل الأولى, حيث نادى بالاهتمام بالمعاني العامة, والابتعاد عن التفاصيل , واستخدام الأمثلة الحسية, وفي ذلك يقول "يكون المتعلم أول الأمر عاجزاً عن الفهم بالجملة إلا في الأقل وعلى سبيل التقريب وبالإجمال وبالأمثال الحسية" (المقدمة, د. ت, 1233) .
كما أن التكرار الذي طالب به ابن خلدون بقوله "يحصل العلم في ثلاث تكرارات, وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه" (المقدمة, د. ت, ص 1233) , هو ما تنادى به التربية الحديثة وقد ذكر ناصر  "[17], أن المتعلم إذا كرر عملاً معيناً فهذا يسهل عليه التعلم .

كما أن تكرار العمل عدة مرات يكسبه نوعاً من الثبات, ويستطيع المتعلم أن يصحح الأخطاء إن وجدت .

كما أن التجارب الحديثة تدل على أن الاستمرار في تكرار ما تعلمناه يساعد على ثباته في الذهن , وبعض التجارب تقول أننا ننسى حوالي 60% من المواد التي يتم تعلمها في حالة عدم التكرار (راجح , 1970, ص 283) .


4-  عدم الشدة على المتعلمين :
     قال تعالي ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"[18] أي : سهلا لطيفا برفق ولين وأدب في اللفظ ، من دون فحش ولا صلف ولا غلظة في المقال او فظاظة في الأفعال .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " إن الله رفيق يحب الرفق , وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على

العنف " "[19].
فالله تعالى رفيق في أفعاله حيث خلق المخلوقات كلها بالتدريج شيئا فشيئا بحسب حكمته ورفقه ، مع انه قادر على خلقها دفعة واحدة وفي لحظة واحدة ..
قال ابن القيم رحمه الله نظما :
وهو الرفيق يحب أهل الرفق ... يعطيهم بالرفق فوق أمان
     وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في شرحه لهذا البيت : ومن أسمائه سبحانه - الــرفيــق - وهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها ، وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال ..
لقد انتقد ابن خلدون أسلوب العقاب الذي كان سائداً في عصره, وطلب من المعلمين استخدام الرحمة واللين مع الطلاب فقال: "ينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبد في التأديب" (المقدمة, د. ت, ص1244), واعتبر أن مجاوزة الحد في العقاب له أضرار على الطلاب ويعمل على إفساد أخلاقه, وبذلك لا يتحقق الهدف من التعليم, ويقول "من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر, وحمل على الكذب والخبث" (المقدمة, د. ت, ص 1243) .
وهذا القول لابن خلدون يظهر رأيه في العقاب, حيث يرفض الشدة على المتعلمين , لأنها مضرة بالمتعلم وتعمل على إفساد أخلاقه وتؤثر على شخصيته, وتعمل على إكساب المتعلمين سلوكيات غير مرغوب فيها. وتزيد القلق والتوتر والخوف في نفوسهم , وقد أشارت دراسات علماء النفس إلى أنه في حالة عدم تمكن الطفل من التخلص من التوتر النفسي, فإن ذلك يؤدي إلى العدوان والانحراف السلوكي, وقد يؤدي إلى الكذب والسرقة والهروب من المدرسة وغير ذلك من مظاهر الجنوح ( الحصري : ) "[20], ومن النظريات الحديثة التي تطرقت إلى الابتعاد عن الشدة على المتعلمين واستخدام الثواب كعامل من عوامل التعزيز, نظرية ثورنديك وفحواها أن الإنسان إذا اقترن عمله بما ينشرح له صدره

كالثواب تمكن هذا العمل في نفسه ورسخ في ذهنه, أما إذا اقترن عمله بما ينقبض له صدره كالعقاب فإن هذا العمل لا يتمكن في نفسه ولا يرسخ في ذهنه وذلك على اعتبار أن الإنسان يميل بطبيعته إلى ما يسره, ويتجنب ما يسؤوه (الحصري : ) "[21].

ومع أن ابن خلدون عارض الشدة على المتعلمين للآثار السلبية, إلا أنه لم يدعو إلى التسامح الكلي مع الأطفال فقد أباح العقاب البدني في الضرورة القصوى وبما لا يزيد على ثلاثة أسواط , بشرط أن يكون العقاب آخر العلاج, وبعد استخدام الترغيب والترهيب والتوبيخ والعزل والإهمال, إذن العقاب البدني مباح لتعديل سلوك معين ولكن في أضيق الحدود, وكوسيلة لردع الطلاب من الوقوع في الأخطاء, ويجب أن يتفاوت في شدته حسب الذنب المرتكب, ويقول "[22], أن العقاب من ضرورات التربية, ولكن يجب أن يختلف في شدته ونوعه حسب الذنب, لأنه نوع من الألم مقصود لذاته , لكي يشعر به الذي قصّر أو أهمل, فلا يعاود ما عمله سابقاً, فهذا الرأي لابن خلدون في عدم الشدة مع الطلاب يوافق مع ما يذكره علماء التربية وعلم النفس في الوقت الحاضر .



5-  إن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم تخل بالتعليم :
( مصدر اِخْتَصَرَ ) :" تَكلَّمَ بِاخْتِصَارٍ " : بِإيجَازٍ ، بِاقْتِضَابٍ .
" كَانَ عَلَيْهِ اخْتِصَارُ الطَّرِيقِ ": أَنْ يَسْلُكَ أَقْصَرَهُ ، أقْرَبَهُ "[23].
جاءت السنة النبوية مفصلة ومبيِّنة للأحكام المجملة في آيات عديدة من القرآن الكريم ؛ واللفظ (المجمل) هو ما لم تتضح دلالته ، والمراد ما كان له دلالة في الأصل ، ولم تتضح ، ويكون التفصيل ببيان كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطه أو موانعه أو لواحقه وما أشبه ذلك؛ كبيانها للصلوات على اختلافها في أنواع مواقيتها ، وركوعها وسجودها وسائر أحكامها  وبيانها للزكاة في مقاديرها ونُصبِ الأموال وتعيين ما يزكى مما لا يزكى، وبيان أحكام الصوم وما فيه، مما لم يقع النص عليه في الكتاب العزيز.
كما فصّلت السنة في أحكام الطهارة والحج والذبائح والصيد، وما يؤكل مما لا يؤكل، والأنكحة وما يتعلق بها من الطلاق والرجعة والظهار واللعان، والبيوع وأحكامها ، والجنايات والقصاص وغيره، كل ذلك بيان لما وقع مجملاً في القرآن الكريم، وهو الذي يظهر دخوله تحت قوله تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ "[24] .
يرى ابن خلدون أن من العوامل التي تقف في طريق التعليم اختصار كتب العلم فقال: "ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق في العلوم يولعون بها ويدونون منها مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باختصار الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن , وصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسراً في الفهم" (المقدمة, د. ت. ص 1232) , وقد ضرب أمثلة على ذلك بابن الحاجب في الفقه, وابن مالك في قواعد اللغة العربية, وقد انتقد ابن خلدون ذلك لأن بعض العلوم تحتاج إلى الإطالة والتكرار , لأن فيها مفاهيم ومعان لا يستطيع المتعلم فهمها بدون الإطالة والتكرار, ولأن اختصار العلوم يصيبها بالخلل وتصبح عسيرة على الفهم وخاصة لصغار المتعلمين, لعدم وجود الاستعداد والقدرة لفهم المختصرات.
ويقول ابن خلدون أن الاختصار يفسد التعليم ويخل بالتحصيل ويخلط على المبتدئ في التعليم بإلقاء الغايات من العلم وهو لم يستعد لقبولها (المقدمة, د. ت, ص 1232) .
وهذا يوافق الأبحاث التربوية المعاصرة في أن المتعلم يجب أن يستعد للتعلم , وأن لا يرغم على تلقي العلوم دون الاستعداد الكافي, لأن عدم الاستعداد والإرغام يضيع الجهود المبذولة في التعليم ( الحصري ) "[25].

6-  طرق التدريس :
     الأسلوب لغة : هو الفن ، والأسلوب هو " الطريق" [26] ، والوجه ، والمذهب ، يقال أنتم في الأسلوب سواء .
والأسلوب : بالضم الفن ، يقال أخذ فلان في أساليب القول "أي أفانين منه
والتعريف الإجرائي للأسلوب : الأنماط التربوية المستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية في ترسيخ الإيمان والاستفادة منها في التربية والتعليم .
    والتدريس ( مصدر دَرَّسَ ) ، طُرُق التَّدريس : ( علوم النفس ) وسائل تربويّة يجب إتباعها في التَّدريس . " [27].
     وتتنوع الأساليب التربوية التي تتضمنها آيات القرآن الكريم والسنة والنبوية ومنها :( الشرح والتوضيح ، والحوار ، والترغيب والترهيب ، ضرب الأمثال  وغيرها ... ) ، ومن بين الأساليب أسلوب الترغيب والترهيب ، قال تعالي :      ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " [28] ،  وأسلوب الحوار قال تعالي : ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " [29].  وأسلوب القصص ومنها قصة يوسف عليه السلام  ، بالإضافة إلى أسلوب الوعظ والإرشاد ، والنصح ، والدعاء ، وعن أنس رضي الله عنه قال :
  خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَنْدَقِ ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ : "اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ.. فَاغْفِرْ للأنصار وَالْمُهَاجِرَهْ"
[30]
      لم يطلب ابن خلدون من المعلمين استخدام طريقة واحدة في التدريس , وأجاز لهم استخدام الطريقة التي تناسب قدرات وميول وإمكانيات الطلاب لأن التعليم عنده صناعة والصناع يختلفون في طرق صناعتهم, ولكل صناعة طرق مختلفة ويحق للمعلم أن يستخدم كل الطرق أو بعضها لتحقيق الأهداف المرجوة, وهذا الرأي يتفق مع ما يقوله رجال التربية في الوقت الحاضر من أن أحسن الطرق هي التي تناسب المادة الدراسية ومستوى الطلاب, ومع أن ابن خلدون أباح استخدام الطرق التي تناسب المعلم إلا أنه يشجع على استخدام طريقة المناقشة  "[31] ، فالتعليم عند ابن خلدون يهدف إلى حصول المتعلم على ملكة العلم حيث يصبح على درجة عالية من الفهم وليس فقط حفظه دون فهم وتعمق , لذا انتقد ابن خلدون الطريقة القيروانية التي كانت في زمانه تركز على الحفظ بشكل كبير , ووصف الطلاب بأنهم يلتزمون الصمت والسكون التام دون مشاركة .
     ويؤكد العديد من التربويين على أن عملية التعلم تحدث نتيجة للتفاعل بين بيئة التعلم بما تتضمنه من مناهج وطرق تدريس وأنشطة ووسائل من جهة ، وبين استعدادات المتعلم وقدراته العقلية وسماته الشخصية من جهة أخرى ، لهذا فان فهم المعلمين لنظريات التعلم ومنها نظرية (نظرية جاردنر للذكاءات المتعددة ) و تطبيقها داخل الفصل من المتطلبات الأساسية للتدريس الفعال ، فهي تعطى مؤشرا عن كيفية حدوث التعلم ومن ثم فإنها تساعد المعلم على اختيار الأساليب والاستراتجيات التدريسية التي تتلاءم مع قدرات المتعلم وطبيعة المادة المتعلمة .

      و على الرغم من أهمية تطبيق نظريات التعلم في التدريس إلا أن كثيرا من المعلمين يهملون ذلك حيث أنهم يركزون
على المادة العلمية فقط دون مراعاة لقدرات واستعدادات التلاميذ المختلفة.

7- الإطالة على المتعلم :
     ففي مسند أحمد عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، يلقاه كل ليلة يدارسه القرآن ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة "[32].
     إن شد المتعلم أطول مدة زمنية ، في إطار الدرس الواحد ، ليعد من العيوب السلبية الفادحة ، التي تعرقل تحقق أهداف الدرس المنشودة ، و بالتالي تحصيل التواصل التربوي و المعرفي ، مع متلقي الدرس العلمي ، لأن تلك الإطالة الزمنية غير المبررة ، تشتت انتباه المتعلمين تشتيتا ، و تخلط في أذهانهم الأفكار خلطا ، و تثقل أسماعهم بمعارف و معلومات، بحكم عيب التكرار و قوة الإطالة بالشرح و التوضيح المضنيين ، تجعلهم يعيشون حالة التيه المعرفي ، و يشعرون بالملل و النفور ، و بعدم الرغبة في المزيد المعرفي ، فيقل التركيز عندهم ، ليصابوا في الأخير بالنسيان.. نستمع إلى علاّمتنا و هو يقول بهذا الصدد ، موجها الخطاب للمعلمين و الأساتذة ، ممن يرتبط شغلهم بوظيفة التعليم و التدريس :
( ينبغي لك أن لا تطول على المتعلم في الفن الواحد ، بتفريق المجالس ، و تقطيع ما بينه ا، لأنه ذريعة إلى النسيان ).




8- نادي بمراعاة قدرات الطلاب :
     ولا يعتبر مبدأ الفروق الفردية اكتشافاً علمياً جديداً فقد جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مايدل عليه قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ"[33]. والله سبحانه هو الذي جعلكم تخلفون من سبقكم في الأرض بعد أن أهلكهم الله، واستخلفكم فيها؛ لتعمروها بعدهم بطاعة ربكم ، ورفع بعضكم في الرزق والقوة فوق بعض درجات، ليبلوكم فيما أعطاكم من نعمه، فيظهر للناس الشاكر من غيره . إن ربك سريع العقاب لمن كفر به وعصاه، وإنه لغفور لمن آمن به وعمل صالحا وتاب من الموبقات، رحيم به، والغفور والرحيم اسمان كريمان من أسماء الله الحسنى .
وقوله ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ، أي فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق ، والمحاسن والمساوي ، والمناظر والأشكال والألوان ، وله الحكمة في ذلك ، كقوله تعالى ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا"[34] ، وقوله تعالى ﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا "[35] .
     ومن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم مراعاة الفروق بين الناس بعضهم و بعض : الفروق الفردية أو البيئية أو النوعية , فليس كل ما يصلح لشخص يصلح لآخر وليس كل ما يصلح لفئة أو جنس يصلح لغيرها وليس كل ما يصلح لزمن يصلح لسائر الأزمنة والعصور، وكان معلم البشرية الأول خير المراعين لهذا الجانب نظرياً وتطبيقياً ومن الأدلة على اعتبار هذه الفروق ومراعاتها بالفعل عدة أمور :
- اختلاف وصاياه – صلى الله عليه وسلم باختلاف الأشخاص الذين طلبوا منه الوصية .
- اختلاف أجوبته وفتاواه عن السؤال الواحد باختلاف أحوال السائلين.
- اختلاف مواقفه وسلوكه باختلاف من يكلفهم من الأشخاص واختلاف قدراتهم .
- اختلاف أوامره وتكليفاته باختلاف من يكلفهم من الأشخاص واختلاف قدراتهم .
- قبوله من بعض الأفراد موقفاً أو سلوكاً لا يقبله من غيره لاختلاف الظروف , من هنا يتضح أن  النبي صلى الله عليه وسلم شديد المراعاة للفروق الفردية بين المخاطبين والسائلين :
" فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه وبما يلائم منزلته ، وكان يحافظ على قلوب المبتدئين ، فكان لا يعلمهم  ما يعلم المنتهين ، وكان يجيب كل سائل بما يناسب حاله ".
الحديث الذي أمر الرسول صلى الله علية وسلم بالتخفيف في الصلاة : " أيُّها الناسُ، إنكم مُنَفِّرونَ، فمَن صلَّى بالناسِ فليُخَفِّفْ، فإنَّ فيهِمُ المريضَ والضعيفَ وذا الحاجةِ " "[36] ، وهنا فيه مراعاة الكل من أجل البعض .
عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال : يا رسول الله ، أقبل وأنا صائم ؟ . قال  لا . فجاء شيخ فقال : أقبل وأنا صائم ؟ فقال نعم ، فنظر بعضنا إلى بعض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض .. إن الشيخ يملك نفسه " رواه احمد "[37].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فدخل رجل فقال يا رسول الله  رجل غريب يسأل عن دينه .. فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته ودعا بكرسي فجلس يعلمه ثم عاد لخطبته . رواه البخاري ومسلم
قال وهب بن منبه : فان الله فضل بينهم (أي: الناس) في الأجسام والألوان والعقول والأحلام ، فلا يكبر على ابن آدم أن يفضل الله عليه في الرزق والمعيشة ،  ولا يكبر عليه أنه قد فضل عليه في علمه وعقله )
     ويقول الغزالي:" لو أشار على المربين بنمط واحد يجب ألا يعامل الغلمان جميعاً معاملة واحدة في التهذيب بل يعامل كلاً منهم وفق مزاجه وطبائعه ويراعى استعداد كل طفل".
     وقال ابن القيم : فإنه سبحانه اقتضت حكمته وحمده أن فاوت بين عباده أعظم تفاوت وأبينه ، ليشكره منهم من ظهرت عليه نعمته وفضله ، ويعرف أنه قد حبي بالإنعام وخص دون غيره بالإكرام ، ولو تساووا جميعهم في النعمة والعافية ، لم يعرف صاحب النعمة قدرها، ولم يبذل شكرها إذ لا يرى أحدًا إلا في مثل حاله ) "[38].
     ويقول ابن خلدون :"إن وجه التعليم المفيد يحصل في ثلاثة تكرارات،وقد يحصل للبعض في اقل من ذلك بحسب مايخلق له ويتيسر عليه". 
وأن لا نثقل عليهم بما هو فوق طاقتهم , وأن يتم التعليم بيسر وسهولة حتى يقبل الطلاب التعلم, وتزيد الدافعية لديهم , وأن لا يكون التعليم منفراً لهم. وهذا الذي تنادي به التربية الحديثة ( ما يسمي مراعاة الفروق الفردية ) .
ومراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين أساس تربوي مهم من أسس التربية السليمة , فالقدرات والمهارات والميول بين الطلاب تنمو وتتطور بمستويات مختلفة ومتفاوتة وذلك بسبب اختلاف المؤثرات في الأسرة والمدرسة والمجتمع , واختلاف القدرات والإمكانات الموروثة .
    فعلى المعلم أن يكتشف قدرات كل طالب حتى يتسنى له تقسيم كل الحلقة إلى مجموعات متجانسة واستغلال قدرات كل واحد منهم في معاونة المعلم .

ومراعاة الفروق الفردية بين الطلاب يتطلب : التنويع في أساليب التعليم مثل : الحوار - تمثيل الأدوار - القصة - حل المشكلات , وكذا تنويع الأمثلة عن المفاهيم والمبادئ المطروحة وإتاحة الفرصة للطلاب للتعليق وإبداء الرأي من خلال الأمثلة الواقعية في بيئاتهم المحلية وخلفياتهم الثقافية .

     وأيضاً : توظيف وسائل متنوعة ومثيرة وفعالة مثل : صحائف الأعمال والبطاقات التعليمية المختلفة ومنها بطاقات التعبير وبطاقات طلاقة التفكير وبطاقات التعليمات وبطاقات التدريب وبطاقات التصحيح .
فعلى المعلمين بهم أن يتأسوا بمنهج محمد صلى الله عليه وسلم ويقتدوا بهديه في التعليم وأن يحاولوا التعرف على قدرات تلاميذهم حتى يتسنى لهم العطاء كل على قدر استطاعته وحتى يستطيع كل طالب بما يليق له من قدرات تتناسب مع مهام يكلف بها ليؤديها ، فطالب يصلح أن يحفظ وجهين وآخر نصف وجه وطالب يستطيع أن يعين المعلم على كشف الحضور والغياب والتسجيل وآخر لا يستطيع فهنا لا بد من مخاطبة الطلاب ومعاملتهم على قدر عقولهم .


9- التكرار يزيد من التعلم :
    التكرار ( مصدر كَرَّرَ ).
أَعادَ الْمُعَلِّمُ القاعِدَةَ النَّحْوِيَّةَ تَكْراراً " : مِراراً .
نَبَّهَهُ إلى خَطَئِهِ تَكْراراً "، " جاءَ مَوْضوعُهُ تَكْراراً لأَفْكارٍ سابِقَةٍ ""[39]. والتكرار في كلام الله سبحانه ليس هو التكرار المعهود والمذموم في كلام البشر ، إذ هو تكرار محكم ، ذو وظائف يؤديها في النص القرآني ، إن التكرار في القرآن يؤدي وظيفتين اثنتين :
الأولى: وظيفة دينية ، غايتها تقرير وتأكيد الحكم الشرعي، الذي جاء به النص القرآني.
الثانية : وظيفة أدبية ، تتمثل في تأكيد المعاني وإبرازها وبيانها بالصورة الأوفق والأنسب.
قال تعالي ﴿ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ "[40] .
وقال تعالي ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"[41] .
تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم :كان يحدث حديثاً لو عدّه العادّ لأحصاه. "[42]
وعنها أيضاً : أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ (لم يكن يسرد الحديث كسردكم ) . "[43]
وقال الله تعالي ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "[44] .
     قال الشيخ السعدي: (مَثَانِيَ) أي : تثنى فيه القصص والأحكام ، والوعد والوعيد ، وصفات أهل الخير وصفات أهل الشر، وتثنى فيه أسماء الله وصفاته، وهذا من جلالته، وحسنه، فإنه تعالى لما علم احتياج الخلق إلى معانيه المزكية للقلوب، المكملة للأخلاق ، وأن تلك المعاني للقلوب، بمنزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أن الأشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلما تكرر سقيها حسنت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائمًا إلى تكرر معاني كلام اللّه تعالى عليه ، وأنه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن ، لم يقع منه موقعًا ، ولم تحصل النتيجة منه .
    العادة في الدلالة اللغوية هي : اسم لتكرار الفعل والانفعال حتى يصير ذلك سهلاً تعاطيه ، كالطبع ، ولذلك قيل العادة طبيعة ثانية . "[45]
    والعادة في الاصطلاح هي : ميل نفسي مكتسب بالتكرار والخبرة للقيام بذات الأعمال السلوكية بحيث يقوم بها الإنسان بطريقة آلية عفوية إلى حد بعيد ويطمئن لها الفرد .
    أن التكرار الذي طالب به ابن خلدون بقوله "يحصل العلم في ثلاث تكرارات , وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه"
    ولذلك أكدت نظريات التربية وعلم النفس ومنها ثورندايك (نظرية المحاولة والخطأ ) أن التعلم عبارة عن ارتباطات بين المثيرات والاستجابات وأن المران أو التكرار أساسي للتعلم وأن  الثواب يساعد على تقوية الارتباطات وأن العقاب يضعفها قليلا أو لا تأثير لها ، ثم ظهرت بعض النظريات في التربية وعلم النفس ومنها قانون التكرار‏: يعد قانون التكرار من أقدم القوانين المعروفة في التعلم وقد تناوله واطسن بالتحليل والتفسير .



10 – العناية بالأسس العامة في التعلم :
     يقال أسسته تأسيساً جعلت له أساساً قال تعالى : ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "[46] ،  قال القرطبي رحمه الله : ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ أي أصل ، فالأسس هي الأصول التي ترتكز عليها عملية التربية حتى تتحق أهدافها .
وفي اللغة يعني الأَسَاسُ - أَسَاسُ "[47] .
الأَسَاسُ : قاعدة البناء التي يُقام عليها .
و الأَسَاسُ أَصل كلِّ شيء ومبدؤه .
والتعليم الأَساسيّ : الخِبرة العلمية والعملية التي لا غنى عنها للناشئ .
     حيث قال ابن القيم الجوزية رحمه الله ( من أراد علو بنيانه فعليه توثيق أساسه و إحكامه ، وشدة الاعتناء به ، فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس و إحكامه ) . "[48]
     قال صلي الله عليه الصلاة والسلام ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) "[49] .
ونادي ابن خلدون أن يتم تعليم القراءة والكتابة ثم الانتقال إلى تعليم القرآن الكريم وحفظه وفهم معانيه , وهو ينتقد المعلمين في عصره لأنهم يصرون على تحفيظ المتعلمين الصغار القرآن الكريم , قبل تعلّم القراءة والكتابة .

ولذلك قال : ليفهم الناشئة معانيه ويتذوقون أساليبه , ويدركون مقاصده ، كما أن تركيز ابن خلدون على حصر التعلم في علم واحد, في الزمن الواحد, يؤدي إلى تمرين العقل , ثم يتقبل العلوم الأخرى بسهولة .
وينبني التعليم المفيد إذن، على ستة عناصر (التدريج، التكرار، عدم الخلط، عدم التوسع في المعارف الأداتية ، التركيز على الكتابة والحساب، التوسع في العلوم من خلال الرحلة لطلبها). والمطلوب هو أن يحصل المتعلم على ملكة في العلم المدروس . فما المقصود بالملكة عند ابن خلدون  ؟

مفهوم المَلَكة :
     ترد هذه الكلمة في أكثر موضع من"المقدمة" ولا سيما على امتداد الفصول المخصصة للتعليم . وفي كل مرة يتخذ معنى سياقيا مضبوطا. وليس من المجازفة القول إنه إذا كان مفهوم العصبية هو المفهوم المركزي في تحليلات ابن خلدون للسلطة السياسية والدولة والاجتماع البشري ، فإن مفهوم الملكة هو المفهوم المركزي في تحيلاته المتصلة بالتعليم .
ولتحديد تعريف واضح لهذا المفهوم، سنرجع إلى نص المقدمة بذاته لجرد التعريفات التي أعطاها له ابن خلدون نفسه ، وهذا أسلم طريق نتبعه من خلال تتبع معاني المفهوم مثلما وردت في النص الأصلي .
إن الملكة أولا فردية ومكتسبة (ليست جماعية ولا فطرية) ، كما أنها جسمانية (خارجية وملاحظة ) حتى ولو كانت قدرة ذهنية.
يقول ابن خلدون:"والملكة كلها جسمانية سواء كانت في البدن أو في الدماغ".
      والملكة متميزة عن مفهومي الفهم والوعي ( تتجاوز هذين المفهومين ) ؛لأن"الملكة في غير الفهم والوعي".
فالفهم والوعي مشتركان بين العامي والجاهل والمبتدئ والعالم. والحال أن الملكة لا تكون سوى للعالم.
والملكة فوق ذلك تكتسب بتكرار الأفعال ، "والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال ؛ لأن الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة، فتكون حالا، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة فيزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة". وعندما ترسخ هذه الملكة يحصل الحذق والذكاء والكيس والاستيلاء على العلوم والصنائع ."وحسن الملكات في التعليم والصنائع وسائر الأحوال العادية يزيد الإنسان ذكاء في عقله وإضاءة في فكره". "وما لم تحصل الملكة لم يكن الحذق".
      وفضلا عن هذا، الملكة تتطور وتجود، مثلما  تنطفئ وتخمد، "[ فالمتعلم ] إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم، استعد بها لقبول ما بقي، وحصل له نشاط في طلب المزيد والنهوض إلى ما فوق"، "فتجود ملكته". "وإذا تنوسي الفعل تنوسيت الملكة الناشئة عنه".
وبتركيب العناصر أعلاه ، نصل إلى التعريف التالي لمفهوم الملكة :"مجموع القدرات والمهارات والاستعدادات الفردية والمكتسبة بتكرار الأفعال والمتطورة والتي لها تجليات سلوكية خارجية (الحذق والكيس والذكاء) مهمة للتعلم".

      والملاحظ أن هناك نوعين من الملكات ، بحسب ابن خلدون :
- الملكات الأساسية التي ينبغي للمتعلم أن يحصلها من خلال تعلماته ، وهي غاية التعلم وهدفه الأسمى، "وذلك أن الحذق في التعلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله".
- الملكات الوسيطية (الأداتية) التي تخدم غيرها في طريق تحصيل الملكة الأساسية.
فالمتعلم يحصل ملكة أولية (وسيطية) تساعده على الوصول إلى الملكة الأساسية مثل ملكة الوضوء من أجل تحصيل الملكة الأساسية التي هي الصلاة.
والفكر بطبيعته تواق إلى تحصيل ومعرفة ما عند الآخرين من معارف وصنائع. هذا الشوق والاشتياق والفضول وحب الاطلاع يقود حتما إلى التعلم.

    ومن أراد أن يتعلم يرجع إلى من سبقه بعلم فيأخذ عنه علمه ويتعلم فتحصل له ملكة أولى يكون أقدر بها على تعلم ما بقي من ذلك العلم حتى تحصل له ملكة ذلك العلم. عندئذ يصبح صاحب علم مخصوص، فيفزع إليه أولئك الذين يرغبون أخذ العلم ليتعلموا. وهكذا ينشأ التعليم. إنه إذن، ضرورة طبيعية وبشرية .

والتعليم ، وإن ارتبط بالعلم والفكر، فهو صنعة شأنه شأن جميع الصنائع. فالمعلمون مثل الصناع ، يختلفون في اصطلاحات التعليم لكنهم لا يختلفون في العلم؛ لأنه واحد عندهم.
والتعليم المناسب هو التعليم المفيد القائم على التدرج ، والتكرار، وعدم الخلط ، وتجنب الإغراق في العلوم الأداتية والتوسع في المعرفة ، هذا التعليم الذي غايته تحصيل المتعلم ملكة أساسية من خلال المرور بملكات أولية وسيطية.
المفاهيم عند ابن خلدون
المفاهيم السلوكية في التربية
المَلَكة
الهدف
المذهب
المحتوي
الكتاب
الوسيلة
الإصلاح
الطريقة
التفنن
التقويم
التكرار
الدعم

    هذه الرؤية للتعليم تتضمن الكثير من الأفكار والمفاهيم والمبادئ المهمة التي لا يمكن غض الطرف عنها. إنها ليست شتاتا من الأفكار بل هي جهاز من المفاهيم المتسقة والمترابطة التي تؤسس رؤية واضحة للفعل التعليمي التربوي في صيغة التربية الإسلامية .
فاستخدمت هذه الأفكار والمفاهيم لتصبح نظريات تعليمية تربوية تدرس إلى الآن ؟.

الخاتمة والنتائج
     بعد هذا التطواف الشيق والرائع والحافل في سيرة العالم ابن خلدون ودراسة مجالاته العلمية والتربوية في التربية الإسلامية ، والوقوف على ابرز المبادئ التربوية الإسلامية ، وأخيراً استعراض أهم الآراء في التربية الإسلامية للعالم ابن خلدون يمكن أن نستخلص النتائج التالية :
1.    تميز العالم ابن خلدون بحياة علمية عملية منذ ولادته وطلبه للعلم ، وما تميزت أسرته من قوة في العلم و شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ .

2.  قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامعة القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة ، بمصر والمدرسة الظاهرية وغيرهم .

3.  يعتبر ابن خلدون أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية ، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة، وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية، وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. وقد سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل إليه لاحقا بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي أوجست كونت.

4.    يرى ابن خلدون في المقدمة أن الفلسفة من العلوم التي استحدثت مع انتشار العمران ، وأنها كثيرة في المدن ويعرفها قائلا: بأن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله ، الحسي منه وما وراء الحسي ، تدرك أدواته وأحواله ، بأسبابها وعللها، بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل، وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف ، وهو باللسان اليوناني محب الحكمة .
                    
5.  امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه. وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء، إلى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا إلى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام ، أثر بالغ في موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته .

6.  وجود أفكار تربوية عديدة لابن خلدون تزخر بها كتبه وخاصة " المقدمة " والتي تم ذكرها ، وتعد من أهم الآراء والأفكار عند العلماء المسلمين .

7.  أن الكثير من هذه الأفكار التربوية تتفق مع ما تنادي به التربية الحديثة ، والذي ينم على أن العلوم الحديثة والنظريات التربوية نبعت وانبثقت من عقول إسلامية وعلماء لهم تاريخ حافل بالعلم .

التوصيات :
     ويرى الباحث أن للتربية الإسلامية طابع يميزها عن المناهج الغير إسلامية في التربية والتعليم ، وهذا الطابع الإسلامي مصدرة القرآن الكريم والسن النبوية الشريفة ، ذلك أن القرآن والسنة بإجماع المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل هو المصدر الخالد لعقائد الإسلام ومبادئه وأخلاقه وثقافته ، وهو الأساس الثابت للنظم الإسلامية في التشريع والاجتماع والاقتصاد والتربية والتعليم .

وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن وفقه الله سبحانه وتعالي للإخلاص في القول والعمل ..                                        والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على السراج المنير والبشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و نسأل الله تعالي أن يوفقنا ولما يحبه ويرضاه .

















قائمة المصادر والمراجع
أولاً المصادر :
- القرآن الكريم
- كتب السنة النبوية وتفسيرها :
1- البخاري ، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ، (١٤١٩هـ) ، صحيح البخاري ، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .
2- السجستاني ، أبي داود سليمان بن الاشعت ، (١٤١٩هـ) ، سنن أبي داود ، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان .
3- الرازي ، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر ، مختار الصحاح ، تحقيق : محمد خاطر ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1415ه/1995م .
ثانياً المراجع :
4- أبي القاسم الحسين محمد الراغب الأصفهاني  ، المفردات في غريب القرآن ، تحقيق محمد سعيد كيلاني ، دار المعرفة ، بيروت .
5- أحمد , لطفي ، (1982م) ، في الفكر التربوي الإسلامي ، الرياض ، دار المريخ .
6- ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد (1416هـ) ، المقدمة ، الفصل السادس ، مكة المكرمة ، المكتبة التجارية .
7- ابن قيم الجوزية ، (1408هـ) ، الفوائد ، تحقيق عبد السلام شاهين ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
8- أبولاوي , أمين ، (1999م) : أصول التربية الإسلامية ، الدمام ، دار ابن الجوزي .
9- الحصري ، ساطع ، (1953م) : دراسات عن مقدمة ابن خلدون ، مصر ، دار المعارف .
10- خضر, فخري ، (1982م) : تطور الفكر التربوي ، دار الرشيد للنشر والتوزيع ، بدون مكان النشر
11- ابن منظور ، محمد بن مكرم المصري ، لسان العرب ، بيروت ، دار صادر ، د.ت.
12- الخطيب , محمد وآخرون ، (1995م) : أصول التربية الإسلامية ، الرياض ، مكتبة الخريجي .
13- زياد , مصطفى ، (2002م) : الفكر التربوي مدارسه واتجاهات تطوره ، الرياض ، مكتبة الرشد .
14- عبود , عبد الغني ، (1977م) : في التربية الإسلامية ، القاهرة ، دار الفكر العربي .
15- عبد الرحمن , عائشة ، (1970م) : تراثنا بين ماضي وحاضر، القاهرة ، دار المعارف .
16- عبود , عبد الغني ، (1978م) : دراسة مقارنة لتاريخ التربية ، القاهرة ، دار الفكر العربي .
17- عاقل , فاخر، (1983م) : قاموس التربية ، بيروت ، دار القلم .
18- علي , سعيد ، (1978م) : أصول التربية الإسلامية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية .
19- علي , سعيد ومحمد الحامد وعبدالراضي محمد، (2004م): التربية الإسلامية المفهومات والتطبيقات ، الرياض: مكتبة الرشد .
20- مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط ، بيروت ، دار إحياء التراث ، ط1 ، د.ت .
21-  النجيحي , محمد ، (1967) : مقدمة في فلسفة التربية ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية .
22-  ناصر, إبراهيم ، (1989) : أسس التربية ، عمّان: دار عمار  .
ثالثاً الدوريات :
23- مكتب التربية العربي لدول الخليج ، من أعلام التربية العربية الإسلامية ، م4 ، 1408ه/1989م ، الرياض .




(21)  خضر, فخري ، (1982) ، تطور الفكر التربوي ، دار الرشيد للنشر والتوزيع ، بدون مكان النشر ، ص 158 .
(22)  علي, سعيد ومحمد الحامد وعبد الراضي محمد ، (2004) ، التربية الإسلامية المفهومات والتطبيقات، الرياض ، مكتبة الرشد ، ص 211 .
(23)  خضر, فخري ، (1982) ، ( المرجع السابق )  ، ص 160 .
(24)  مقدمة ابن خلدون عبد الرحمن ، (1416هـ ) ، المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، الفصل السادس .
(25)  أحمد, لطفي ، (1982) ، في الفكر التربوي الإسلامي ، الرياض ، دار المريخ ، ص 162 .
(26)  سورة القيامة ، أية : 18 .
(27)  ابن منظور ، محمد بن مكرم المصري ، لسان العرب ، بيروت ، دار صادر ، د.ت.
(28)  سورة فصلت ، أية : 42 .
(29)  سورة البقرة ، أية 44 .
(30)  أحمد, لطفي ، (1982) ، في الفكر التربوي الإسلامي ، الرياض ، دار المريخ ، ص 157 .
(31)  أحمد, لطفي. (1982).  ( المرجع السابق ) .
(32)  مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط ، بيروت ، دار إحياء التراث ، ط1 ، د.ت .
(33)  سورة الإسراء ، أية : 106 .
(34)  البخاري ، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ،( ١٤١٩ هـ) ، صحيح البخاري ، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ، الرياض ، المملكة العربية السعودية ، ( 4993 )
(35)  البخاري ، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ،( ١٤١٩ هـ) ، صحيح البخاري ، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ، الرياض ، المملكة العربية السعودية ، ( 1496 )
(36)  الحصري ، ساطع ، (1953) ، دراسات عن مقدمة ابن خلدون ، مصر ، دار المعارف ، ص 453 .
(37)  ناصر, إبراهيم ، (1989) ، أسس التربية ، عمّان ، دار عمار  ، ص 123 .
(38)  سورة طه ، أية : 44 .
(39)  صحيح مسلم (2593) ، المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(40)  الحصري ، ساطع ، (1953) ، دراسات عن مقدمة ابن خلدون ، مصر ، دار المعارف ، ص 155 .
(41)  الحصري ، ساطع ، (1953) ، ( المرجع السابق ) 153 .
(42)  مقدمة ابن خلدون عبد الرحمن ، (1416هـ ) ، المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، الفصل السادس .
(43)  مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط ، بيروت ، دار إحياء التراث ، ط1 ، د.ت .
(44)  سورة النحل ، أية : 44 .
(45)  الحصري ، ساطع ، (1953). ( مرجع سابق ) ص 119
(46)  الرازي ، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر ، مختار الصحاح ، تحقيق : محمد خاطر ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1415ه/1995م ، ص 130 .
(47)  مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط ، بيروت ، دار إحياء التراث ، ط1 ، د.ت .
(48)  سورة آل عمران ، أية : 169 .
(49)  سورة المؤمنون ، أية 99-100 .
(50)  صحيح البخاري : برقم (2834) .
(51)  أحمد , لطفي. (1982) ، ( مرجع سابق ) ، ص 105.
(51)  البخاري ، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ،( ١٤١٩ هـ) ، صحيح البخاري ، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ، الرياض ، المملكة العربية السعودية ، ( 3220) .
(52)  سورة الأنعام ، أية : 165 .
(54)  سورة الزخرف ، أية : 32 .
(55)  سورة الإسراء ، 21 .
(56)  البخاري، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ،( ١٤١٩ هـ) ، صحيح البخاري ، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ، الرياض ، المملكة العربية السعودية ، (90 ) .
(57)  مسند الإمام أحمد .
(58) ابن القيم الجوزية ، مفتاح دار السعادة ، ص ٧ .
(59) ابن منظور ، ( مرجع سابق ) .
(60) سورة الرعد ، أية : 5 .
(61)  سورة النور ، أية : 62 .
(62)  البخاري، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ،( ١٤١٩ هـ) ، صحيح البخاري ، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .
(63)  البخاري، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ،( ١٤١٩ هـ) ، صحيح البخاري ، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .
(64)  سورة الزمر ، أية : 23 .
(65)  أبي القاسم الحسين محمد الراغب الأصفهاني  ، المفردات في غريب القرآن ، تحقيق محمد سعيد كيلاني ، دار المعرفة ، بيروت ، ص : 352
(66) سورة التوبة ، أية : 109 .
(67) ابن منظور ، ( مرجع سابق ) .
(68) ابن قيم الجوزية ،  الفوائد ، تحقيق عبدالسلام شاهين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1408هـ ، ص : 175
(69) السجستاني، أبي داود سليمان بن الاشعت ،( ١٤١٩ هـ) ، سنن أبي داود ، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، جزء : 12 ، ص292 .
(70) سورة الكهف ، أية : 110 .