استراتيجية التربية الاسلامية :
إستراتيجية التربية الإسلامية :
تعرف الإستراتيجية عادة بأنها : صياغة الاختيارات في مجموعة من الإجراءات لتحديد ما يجب عمله تبعا للحالات التي قد تعرض في المستقبل. وليس المقصود بالإستراتيجية هو مجرد الانتقال بالمبادئ إلى الصعيد العملي حتى تصبح واقعا ملموسا، بل تقديم العناصر التي يمكن الاعتماد عليها في التخطيط لإنجاز الأهداف. والسياسية التربوية هي الخاصة التي تحدد فيها الاختيارات الرئيسية للدولة في هذا المضمار، وهي تصاغ كتابة من قبلها، أو من قبل المفوضين منها للقيام بهذه المهمة، مع مشاركة أفراد الأمة في وضع تلك السياسة أو الحصول على موافقتهم الضمنية عليها، فالسياسة التربوية لا بد أن تعبر عن عقيدة الأمة، وتقاليدها، وقيمها، وأهدافها الرئيسية من الحياة، وتصورها للمستقبل، وعلى ذلك فلا بد في تحديد السياسة التربوية من التأكد من أن أهدافها المحددة مستخلصة من الاتجاهات العامة لسياسة البلاد، ومتمشية مع كل من أهدافها العامة، والأهداف المحددة في القطاعات الأخرى، وفي ذلك كتب فور ومن معه (1974، ص 234) ما نصه: "إن السياسة التربوية لا تنحصر في رسم بعض المبادئ التوجيهية العامة، بل لا بد من أن تشتمل على مجموعة من الأهداف الخاصة المترابطة فيما بينها ترابطا قويا، ومن بينها الأهداف ذات الطابع الروحي والفلسفي والثقافي .
بواسطة :
التقويم الذاتي المدرسي
الخميس، 28 نوفمبر 2013
التربية الاسلامية عند ابن خلدون
شكر و تقدير
صدق
الله العظيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على معلم البشرية نبينا محمد rوعلى آله وصحبه
أجمعين .... وبعد :
فإنني
أتوجه بالشكر وعظيم الامتنان إلى الله رب العالمين الذي منَّ على بإتمام هذا البحث
المتواضع فلله الفضل من قبل ، ومن بعد ، احمده دوماً واستعين به ، ولا يسعني إلا
أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى
أستاذي الفاضل الذي منحني فرصة الاطلاع والعمل و التطبيق والممارسة في بداية حياتي
في الدراسات العليا ، وأن العلم والاجتهاد بالعمل من سمات طالب العلم ، وأخلاقيات
المسلم ، لذا فان الفكر التربوي في الإسلام يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة و يتميز كل عصر بفكره وفلسفه حياته , والمسلمون الأوائل خلفوا تراثاً فكرياً
وتربوياً ينبغي أن نعتز به وبمرور الأيام وتغيرات المجتمع الإسلامي ظهر الفقهاء والعلماء
والأدباء والفلاسفة وظهر معهم فكر تربوي إسلامي أساسه القرآن الكريم والسنة ، فهي
من دواعي سروري أن يكون هذا العمل للعلماء المسلمين وجهودهم التربوية ، والذي أضع
هذا العمل المتواضع بين يدي أستاذي الفاضل .
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قالَ: قالَ
رَسُولُ الله r : «مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ
الله» ( [2] )
والباحث بمقتضى هذا الحديث يتقدم
بخالص الشكر والتقدير لسعادة
الأستاذ الدكتور : عيد بن
حجيج الجهني
فقد وجد الباحث منه الاهتمام
والجدية في البحث والدراسة والحرص على إفادة الطلاب ، وقد استفاد الباحث منه
كثيراً أثناء دراسته لمقرر تاريخ التربية الإسلامية ، فله من الباحث كل الثناء
والتقدير ، وأسأل الله أن يجزل له الأجر والمثوبة ، وأن يكتب له الخير حيث كان ،
ومتى ما كان ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم .
ولله ولرسوله الفضل
أولا وأخرا...
الباحـث
أمين بن أحمد الشريف
فهرس المحتوي وموضوعات الدراسة في البحث
الموضوع
|
رقم الصفحة
|
- المقدمة
|
6
|
- أهمية البحث
|
6
|
- مشكلة البحث
|
6
|
- أسئلة البحث
|
7
|
- منهج البحث
|
7
|
- أهداف البحث
|
7
|
- حدود الدراسة
|
7
|
- مصطلحات الدراسة
|
8
|
- الدراسات السابقة
|
8
|
- تقسيم وتبويب الدراسة
|
9
|
المبحث الأول : لمحة عن حياة ابن خلدون
|
12
|
-
المطلب الأول : حياته
|
12
|
-
المطلب الثاني : آثاره
|
12
|
- المبحث الثاني : مظاهر الفكر الاجتماعي عند ابن
خلدون
|
16
|
-
المطلب الأول : الظواهر الاجتماعية
|
16
|
-
المطلب الثاني : التاريخ
|
17
|
-
المطلب الثالث : العمران
|
18
|
- المبحث الثالث
: العصبية و الدولة عند ابن خلدون
|
21
|
-
المطلب الأول : مفهوم العصبية عند ابن
خلدون
|
21
|
-
المطلب الثاني : عمر الدولة و أطوارها
|
22
|
- المبحث الرابع : المواقف والآراء التربوية عند
ابن خلدون
|
24
|
- المطلب الأول
: أهداف التربية وأنواع العلوم عند ابن خلدون
|
24
|
- المطلب الثاني
: المبادئ التربوية عند ابن خلدون
|
25
|
- المطلب الثالث : آراء ابن خلدون التربوية
|
27
|
الخاتمة والنتائج
|
43
|
المراجع
|
45
|
[2] ) رَوَاهُ أَحْمَدُ (7755)، وَأَبُو دَاوُد (4198)، وَالتِّرْمِذِيُّ- صحيح الجامع (1926) وصححه الألباني
المستخلص :
الموضوع : العالم المسلم " ابن خلدون "
سيرته ومجالاته العلمية والتربوية ، مع ذكر أهم المبادئ والآراء في التربية
الإسلامية التي أشار إليها في كتبه .
الكاتب
: أمين بن أحمد الشريف
الجامعة
: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة – كلية الدعوة وأصول الدين – قسم
التربية الإسلامية
بحث انجاز لمتطلبات تاريخ التربية الإسلامية –
للفصل الدراسي الأول – للعام 1434هـ/ 1435هـ
تتناول هذه الدراسة
موضوع تاريخ التربية الإسلامية ، حيث يتميز كل عصر
بفكره وفلسفه حياته , والمسلمون الأوائل خلفوا تراثاً فكرياً وتربوياً ينبغي أن نعتز
به لذا وجب علينا ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين أن نعود إلى فكرنا وتراثنا
العربي الإسلامي, وأن نستفيد منه وبمرور الأيام وتغيرات المجتمع الإسلامي ظهر الفقهاء
والعلماء والأدباء والفلاسفة وظهر معهم فكر تربوي إسلامي أساسه القرآن الكريم والسنة
، ومن هؤلاء العالم المسلم ابن خلدون والذي عُرف على أنه عالم اجتماع ولكن له آراء
تربوية في التربية الإسلامية ذكرها في كتابه المقدمة, وسوف يسعى هذا الباحث للوقوف
على هذه الآراء وربطها مع الحياة المعاصرة .
ويهدف البحث إلى إبراز
الجوانب التربوية في التربية الإسلامية لابن خلدون ومدى ترابطها بالفكر الإسلامي ،
وعلاقتها بالمتعلم ، وتطور المجتمع ، أساسه القرآن الكريم والسنة النبوية .
واعتمد الباحث على المنهج الوصفي
التحليلي هو أنسب المناهج البحثية لتحقيق هدف البحث , كون هذا المنهج يعتمد على
دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ، مع ارتباطها بالناحية التاريخية .
ولتحقيق هدف الدراسة عمد الباحث إلى تعدد
طرق التناول التي تراوحت بين العرض المعاصر ، والتحليل الاستنباطي والنقد العلمي
البناء ، وترابطها لتحقيق التكامل المنهجي العلمي للبحث .
حيث تناولت الدراسة في المبحث الأول
: لمحة عن حياة العالم ابن خلدون ، ومنها حياته وآثاره ، وفي المبحث الثاني تناولت الدراسة :
مظاهر الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون ، ومنها الظواهر الاجتماعية ، التاريخ ،
والعمران ، أما المبحث الثالث تناول الباحث العصبية والدولة ، وافرد الباحث المبحث الرابع بالمواقف
التربوية ، وأهم المبادئ والآراء التربوية في التربية الإسلامية عند ابن خلدون ،
في حين ختم الباحث بالنتائج والتوصيات وأخيرا المراجع .
وأسفرت الدراسة عن
عدد من النتائج منها : يعتبر ابن خلدون أحد
العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية ، فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه على أسسه الحديثة ،
ووجود أفكار تربوية عديدة لابن خلدون تزخر بها كتبه وخاصة " المقدمة "
والتي تم ذكرها ، وتعد من أهم الآراء والأفكار عند العلماء المسلمين ، وأن الكثير من
هذه الأفكار التربوية تتفق مع ما تنادي به التربية الحديثة ، والذي ينم على أن
العلوم الحديثة والنظريات التربوية نبعت وانبثقت من عقول إسلامية وعلماء لهم تاريخ
حافل بالعلم .
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا
وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، خير خلق الله وعلى آله و صحبه أجمعين ، يتميز
كل عصر بفكره وفلسفه حياته , والمسلمون الأوائل خلفوا تراثاً فكرياً وتربوياً
ينبغي أن نعتز به , لأنه يعكس صورة الماضي, وبالتالي يضيء لنا طريق الحاضر
والمستقبل, بقدر رجوعنا إليه واستشهادنا به, وأن نأخذ منه ما يتفق مع ظروفنا
الراهنة وقضايانا المعاصرة فإننا للأسف لا نعرف إلا القليل من تراثنا عن جهل , أو
تقليد للتربية الغربية ([1] ) .
لذا وجب علينا ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين أن نعود إلى فكرنا
وتراثنا العربي الإسلامي, وأن نستفيد منه لأن العمل للحاضر والمستقبل لا يتم إلا
بالرجوع إلى الماضي وذلك "لأن حاضرنا لا يستغني عن ماضينا, وعن الفحص الدقيق
لأرضه التي يقوم عليها البناء الجديد ([2]
).
ولما كان الفكر التربوي في الإسلام يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة , فقد كانت أول مدرسة شهدها الإسلام هي دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة,
ثم كان مسجده صلى الله عليه وسلم في المدينة هو الثاني "[3].
وبمرور الأيام وتغيرات المجتمع
الإسلامي ظهر الفقهاء والعلماء والأدباء والفلاسفة وظهر معهم فكر تربوي إسلامي
أساسه القرآن الكريم والسنة .
ومن هؤلاء ابن خلدون والذي عُرف على أنه عالم اجتماع ولكن له آراء تربوية
ذكرها في كتابه المقدمة , وسوف يسعى هذا البحث للوقوف على هذه الآراء في التربية
الإسلامية وربطها مع الحياة المعاصرة .
أهمية البحث :
تبرز أهمية البحث في أنه يسعى إلى
التعرف على الآراء التربوية لابن خلدون في التربية الإسلامية , وأثر هذه الآراء في
الوقت الحاضر, وهل هذه الآراء تستجيب لحاجات المجتمع الإسلامي في الوقت الحاضر .
مشكلة البحث :
التربية الإسلامية هي النابعة من
القرآن الكريم والسنة المطهرة, وفي الوقت الحاضر ينادي علماء التربية المسلمين
بإتباع أقوال علماء الغرب من غير المسلمين, ومع أن بعض آرائهم جيدة, إلا أن الكثير
منها يخالف الإسلام , لذا وجب علينا الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة وإلى تراث
علماء الإسلام للاستفادة منه في حل قضايانا المعاصرة , وفي ضوء ذلك يمكن تحديد
مشكلة البحث في السؤال الرئيس : ما هي الآراء التربوية لابن خلدون في التربية
الإسلامية ؟
أسئلة البحث :
يجب البحث عن الأسئلة الآتية :
1- ما هي سيرة العالم ابن خلدون ؟
2- ما أبرز مجالات العالم ابن خلدون
العلمية والعملية ؟
3- ما ابرز المبادئ التربوية لأبن
خلدون في التربية الإسلامية ؟
4- ما هي الآراء التربوية لابن خلدون في
التربية الإسلامية ، في كتابه المقدمة ؟
منهج البحث :
يعد المنهج الوصفي التحليلي هو أنسب المناهج البحثية لتحقيق هدف البحث ,
كون هذا المنهج يعتمد على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع .
أهداف البحث :
هدف هذا البحث إلى :
1- التعرف علي سيرة العالم ابن خلدون .
2- إبراز مجالات العالم ابن خلدون
العلمية والعملية .
3- ابرز المبادئ التربوية لأبن خلدون
في التربية الإسلامية .
4- الكشف عن الآراء التربوية لابن
خلدون في التربية الإسلامية من خلال كتابه المقدمة .
مع تقديم التوصيات والمقترحات التي
تساعد على فهمنا لقوة الفكر التربوي الإسلامي .
حدود البحث :
سوف يقتصر هذا البحث على دراسة لسيره العالم ابن خلدون ، ثم ذكر أبرز
المجالات العلمية والعملية ، وثم ذكر أهم المبادئ و الآراء التربوية لابن خلدون في
التربية الإسلامية من خلال كتابه المقدمة .
وسوف نذكر حدود البحث كالتالي :
1- حدود زمانية ( تاريخية ) : وهي
دراسة سيره العالم ابن خلدون في العصر الذي تميز به وبرز دوره في العديد من
المجالات .
2- حدود مكانية : لا يقتصر دور الباحث
في هذا البحث على مكان واحد بل يستعرض الباحث جميع الأماكن و البلدان التي ترك ابن
خلدون أثره كعالم .
3- حدود موضوعية : وهو الجزء الأكبر من
هذا البحث حيث يتناول الباحث جميع المواضيع والمجالات العلمية والتربوية والعملية
للعالم ، ومما لا شك فيه فان الآراء التربوي للعالم في التربية الإسلامية تعتبر
ثمرة هذا البحث .
مصطلحات البحث :
1- التربية : تعرّف
التربية بأنها " تنمية الوظائف الجسمية والعقلية والخلقية حتى تبلغ كمالها عن
طريق التدريب والتثقيف" "[4] ويقصد بها عند علماء
التربية نمو الكائن البشري من خلال الخبرة المكتسبة من مواقف الحياة المتنوعة ,
ويقصد بالنمو اكتساب خبرات جديدة متصلة ومرتبطة ارتباطاً معيناً لتكون نمطاً خاصاً
بشخصية الفرد وتوجهه إلى المزيد من النمو ليتحقق بذلك أفضل توافق بين الفرد
وبيئته. "[5].
2- التربية الإسلامية : تعرّف
بأنها "المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ
والقيم التي أتى بها الإسلام والتي ترسم عدداً من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي
تنفيذها إلى أن يسلك الفرد سلوكاً يتفق مع عقيدة الإسلام" "[6].
ويمكن تعريفها من خلال الربط بين مفهوم
التربية ومفهوم الإسلام بأنها "إحداث تغيير في سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب
فيه من وجهة نظر الإسلام" "[7].
3- الفكر التربوي : ويقصد
به الآراء والتصورات والمبادئ التي قدمها علماء التربية أو النظرية التربوية كما
يتصورها علماء التربية ."[8].
فالفكر التربوي هو "ما أبدعته عقول الفلاسفة والمربين عبر التاريخ
فيما يخص مجال التعليم الإنساني, وتنمية الشخصية وشحذ قدرتها ويتضمن النظريات
والمفاهيم والقيم والآراء التي وجهت عملية تربية الإنسان" "[9].
4- الفكر التربوي الإسلامي : وهو
عبارة عن مجموعة الآراء والأفكار والنظريات التي احتوتها دراسات الفقهاء والفلاسفة
والعلماء المسلمين وتتصل اتصالاً مباشراً بالقضاء والمشكلات التربوية "[10].
ويقصد بها هنا التعرّف على الآراء
والأفكار التربوية لابن خلدون .
الدراسات السابقة :
هناك العديد من الكتاب الذين كتبوا عن ابن خلدون , وإن كانت في الغالب
الأعم عن ابن خلدون عالم الاجتماع, وقد وردت قائمة كتب عن ابن
خلدون وهي :
وهذا العرض للدراسات
السابقة يوضح أن أكثر الكتابات عن ابن خلدون هي باعتباره عالماً كبيراً في
الاجتماع , وقد
---------------
وجدت
بعض الكتب التي كتبت عن فكر ابن خلدون التربوي واستفدت منها وهي :
عنوان
الكتاب
|
اسم
المؤلف
|
سنة الطباعة
|
1- التربية الإسلامية دراسة مقارنة
|
أبو
القاسم محمد
|
د.
ت
|
2- ابن خلدون حياته وتراثه الفكري
|
حسن
جغام
|
1352هـ
|
3- التربية الإسلامية وفلاسفتها
|
حسين
عاصي
|
1395هـ
|
4- في الفكر التربوي الإسلامي
|
خالد
حداد
|
1402هـ
|
5- التربية الإسلامية المفهومات والتطبيقات
|
زكريا
إمام
|
1425هـ
|
6- تطور الفكر التربوي
|
ساطع
الحصري
|
1402هـ
|
7- تطور الفكر التربوي الإسلامي
|
طه
حسين
|
1420هـ
|
مقدمة خطة البحث
المبحث الأول :
لمحة عن حياة ابن خلدون
المطلب الأول :
حياتـــــــــــه
المطلب الثاني : أثــــــــــــاره
المبحث الثاني : مظاهر الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون
المطلب الأول : الظواهر الاجتماعية
المطلب الثاني : التاريــــــــــخ
المطلب الثالث : العمــــــــــران
المبحث الثالث : العصبية
و الدولة عند ابن خلدون
المطلب الأول : مفهوم العصبية عند ابن خلدون
المطلب الثاني : عمر الدولة و أطوارها
المبحث الرابع : المواقف والآراء التربوية في التربية
الإسلامية عند ابن خلدون
المطلب الأول : أهداف التربية الإسلامية وأنواع العلوم عند
ابن خلدون
المطلب الثاني : المبادئ التربوية في التربية الإسلامية عند
ابن خلدون
المطلب الثالث : الآراء التربوية في التربية الإسلامية عند
ابن خلدون
الخاتمة والنتائج
المراجع
مقدمة
كان العالم قبل الإسلام نظام اجتماعي اختلف
من منطقة إلى أخرى من معتقدات و في تأويلات و في تحريفات لأنه كان مستقي من
تشريعات أشخاص كانوا و من ديانات سماوية تم تحريفها التي عانى البعض من إحجامها في حقهم .
حتى جاء
الإسلام الذي دعى إلى توصيد كل تلك المناطق و ذلك عن طريق تشريعات القرآن الكريم
التي تشير إلى إبراز دور الدين الإسلامي الذي ينظم الحياة و الناس و الأسرة و
الأخلاق و الاقتصاد كما تتحكم في باقي مجالات الحياة و كان للخلفاء الراشدين دورهم
البارز في إرساء قواعد النظم الإسلامية سواء في نظام الخلافة و نظام القضاء و
الخراج و شؤون بيت المال و موارده .
لقد اشتهر الفاروق عمر بن الخطاب بفتح باب
الاجتهاد في الفقه و التشريع كما اهتم بشؤون المال و الإدارة و لقد شجع بنو أمية و
بنو عباس العلم و العلماء فظهرت طائفة ممتازة من الشعراء و الأدباء فلم يحود بهم
الدهر كما ظهرت الفرق الإسلامية و الفلاسفة المتكلمون أمثال : الكندي ، الغزالي ،
الفارابي و ابن طفيل .
ولكن كل هذا قد استطاع ابن
خلدون أن يحتويه في الدراسة التي قام
بها حول المجتمع الإسلامي في
كتابه ً المقدمة ً .
المبحث
الأول : لمحة عن حياة ابن خلدون
المطلب الأول : حياتــــــــه
هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد
بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي .
مؤسس علم الاجتماع ومؤرخ عربي مسلم من إفريقية في
عهد الحفصيون و
هي تونس حاليا ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليوم
.
ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م ( 732 ) هـ . أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب ، فقد حفظ القرآن الكريم في
طفولته ، وكان أبوه هو معلمه الأول ،
شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية
ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في أوساط القرن
السابع الهجري, وتوجهوا إلى تونس حاضرة العلوم آنذاك ، كان
قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين
.
ينتهي نسبه بالصحابي وائل
بن حجر الحضرمي الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم
قد دعا له . "اللهم
بارك في وائل بن حجر وبارك في ولده وولد ولده إلى يوم القيامة.
قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب
الجزء الأول من المقدمة بقلعة
أولاد سلامة بالجزائر, وعمل
بالتدريس ، في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامع القرويين في فاس الذي أسسته
الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة ، مصر والمدرسة الظاهرية وغيرهم . "[1]
وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها
متميزا خاصة أنه سليل المدرسة
الزيتونية العريقة و كان في طفولته قد درس
بمسجد القبة الموجود قرب منزله "سيد القبّة" . توفي في القاهرة سنة 1406 م
(808)هـ
. ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث
درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك .
المطلب الثاني : أثــــــــــاره
كان ابن خلدون دبلوماسيا حكيما . و قد أرسل
في أكثر من وظيفة لحل النزاعات بين زعماء الدول : مثلا عينه السلطان محمد بن
الأحمر سفيرا له إلى أمير قشتالة للتوصل لعقد صلح بينهما ، و بعد ذلك بأعوام
استعان به أهل دمشق لطلب .
لم يترك ابن
خلدون مؤلفات كثيرة حيث كان أثره الأدبي محدودا بعدده و ضخم بمحتواه فلم تتجاوز
مؤلفاته الثلاثة و لكن بالرغم من ذلك انفرد ابن خلدون و تميز بالنوع الذي قدمه من
نظريات هامة جدا في جوانب الفلسفة و السياسة و علم الاجتماع و التاريخ كما انفرد
عن غيره بأن شكل إحدى ثمرات الفكر العربي الإسلامي في القرن التاسع هجري و ما بعده
فقد استوعب التراث العربي الإسلامي و مثله على خير وجه .
و قد ألف ابن خلدون في البداية كتابه ً لباب
المحصل في أصول الدين ً فكان باكورة أعماله و تناول في هذا الكتاب الفلسفة
الإسلامية و موضوعات تناولت البديهيات و النظر و الدليل و الموجودات عند الفلاسفة
و المتكلمين .
أما كتابه الثاني الذي اشتهر به فهو ً العبر
و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب و العجم و البربر...ً الذي تناول فيه فضل
علم التاريخ و أسباب العمران و علله و أحوال التمدن و ما يعرض للاجتماع الإنساني و
أخبار العرب و أجيالهم و دولهم و أخبار البربر و أشهر قبائلهم . أما الكتاب الثالث
فهو ً التعريف بابن خلدون مؤلف الكتاب و رحلته شرقا و غربا ً و هو عبارة عن سيرة
ذاتية كاملة كتبها عن نفسه فتناول نسبه و تاريخ أجداده في الأندلس و نشأته و
مشايخه و الوظائف التي تقلدها .
علم الاجتماع و العمران عند ابن خلدون
يعتبر الباحثون أن مقدمة ابن خلدون ليست من
عمل مؤرخ و إنما هي علم اجتماع و يؤكد ابن
خلدون هذا القول ً و اعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة .
غزير الفائدة . اعثر عليه البحث و أدى إليه الغوص ً و قد أشار البعض إلى ما تشتمل
عليه دراسة الحالة الاجتماعية للإنسان على معرفة الحالة التي تتصل بالبيئة سواء أكانت بدوية أو
حضرية .و اثر كل منهما في طباع الناس و في عقلياتهم ثم دراسة نظام الأسرة و
القبيلة و دراسة العوامل التي تسمح لبعض الشعوب بالتفوق على غيرها و تؤدي إلى
تكوين الإمبراطوريات و قيام الأسرة الحاكمة و دراسة الاختلاف في الطبقات و في
الصنائع و دراسة العلوم و الفنون و جميع التغيرات التي تنتج عن طبيعة الظروف
المحيطة بالمجتمع و الكشف عن عوامل التخلف الاجتماعي و تاريخه .
قسم ابن خلدون موضوعات العمران البشري إلى
أقسام ضم كل منها طائفة غير يسيرة من الظواهر الاجتماعية للقوانين ، فهو يبحث عن
مدى الارتباط بين الأسباب و المسببات ، و لم يكتف بالوصف و عرض الوقائع و بيان ما
هي عليه ، و إنما اتجه اتجاها جديدا في بحوثه الاجتماعية ، جعله يعلن صراحة أن
التطور هو سنة الحياة الاجتماعية ، و ذلك لأن الظواهر الاجتماعية غير قابلة للركود
و الدوام على حالة واحدة ، و من ثم كانت الأنظمة الاجتماعية متباينة حسب المكان و
الزمان فقال : ٌٌإن أحوال العالم و الأمم و عوائدهم و نحله لا تدوم على وتيرة
واحدة و منهاج مستقر ، إنما هو اختلاف على الأيام و الأزمنة ، و انتقال من حال إلى
حال ، و كما يكون ذلك في الأشخاص و الأوقات و الأمصار ، فكذلك يقع في الآفاق و
الأقطار و الأزمنة و الدول ٌ فعالج ابن خلدون واقعات العمران البشري ، التي تشمل
كل القواعد في الاتجاهات العامة التي يسلكها أفراد المجتمع في تنظيم شؤونهم
الجماعية ، و ضبط العلاقات و تنسيقها فقد تحدث في القسم الأول في
مقدمته عن تأثير البيئة بالإنسان أو ما يعرف اليوم باسم المورفولوجيا الاجتماعية .
أشار ابن خلدون إلى تأثير المناخ في تشكيل
الحياة الاجتماعية حين قال : ً الأقاليم المتوسطة مخصوصة بالاعتدال و سكانها من
البشر أعدل أجساما و ألوانا و أخلاقا و أديانا حتى النبوأت إنما توجد فيها ...ً و
تحدث في القسم الثاني عن تطور المجتمعات من الحالة الفطرية إلى
الحالة المدنية فقد مثل العمران البدوي الدرجة الأولى في هذا التطور بينما مثل
العمران الحضري أوجه و نهايته ، فأشار إلى هذا في المقدمة بالقول : " إن
الحضارة هي نهاية العمران و خروجه إلى الفساد و نهاية للشر و البعد عن الخير
فيعاني أهل الحضر من فنون الملاذ و عوائد الترف و الإقبال على الدنيا و العكوف على
شهواتهم .... في حين إن أهل البدو مقبلين على الدنيا مثلهم إلا أنه بالمقدار
الضروري و لا في أسباب الشهوات و الملذات ...ً "
أما
القسم الثالث فقد
تناول فيه النظم السياسية للمجتمعات أو ما يعرف اليوم باسم علم الاجتماع السياسي
فقال : ً إن الدولة إذا انصرفت إلى الحق و رفضت الباطل و أقبلت على الله اتحدت و
جهتها فذهب التنافس و قل الخلاف و حسن التعاون و التعاضد و اتسع نطاق الكلمة فعظمت
الدولة ً . ثم تناول ابن خلدون النظم الاقتصادية في القسم الرابع أو
ما يعرف اليوم بعلم الاجتماع الاقتصادي فالصنائع حسب رأيه تكسب صاحبها عقلا و
تدبيرا و التجارة مكملة لذلك و هي إشتراء الرخيص و بيع الغالي لأنها محاولة الكسب
بتنمية المال و قد وصف أمهات الصناعات في أيامه ، كالزراعة و العمارة و النسيج و
التوليد و الطب و الورق و غيره .
و في
القسم الخامس فقد
أوسع فيه عن العلوم و الفنون متناول النواحي الثقافية و الفكرية أو ما يسمى بعلم
الاجتماع الثقافي فقال : ً حسن الملكات في التعليم يزيد الإنسان ذكاء في عقله و إضاءة
في فكره بكثرة الملكات الحاصلة للنفس ... و إن القلم هو المعين حين تكون السيوف
مهملة في مضاجع أغمادها ً لقد اتبع ابن خلدون منهجا استقرائيا إستنتاجياً ، اعتمد
فيه على الملاحظة ، ثم الدخول في الموضوع ، و بدون فكرة مبيتة ، لذلك جاءت قوانينه
أقوى أساسا ، و أمتن بنيانا ، و أقرب إلى وقائع الأمور . و هكذا سار على منهج علمي
سليم .و إن كان استقراؤه ناقصا بعض الشيئ ، لأن كثيرا من القوانين و الأفكار التي
وصل إليها لا تطبق إلا على أمم عاصرها في فترة معينة .
مآخذ على
ابن خلدون :
مما يؤخذ عليه مبالغته في إعطاء البيئة
الجغرافية أهمية كبرى في شؤون الاجتماع ، حتى جعلها حجر الزاوية في توجيه نشاط
الشعوب و مدى تقدمهم و تأخرهم ، حقا إن المحيط الجغرافي له أثره في توجيه سلوكنا و
تبايننا الحضاري ، و لكن ليس هو الكل .و إنما هو عامل من عوامل عدة أهمها :
1- العقيدة ثم
الأحداث التاريخية و العوامل التكنولوجية و الانسياب الحضاري .
2- و إن شخصية
بحجم ابن خلدون تستحق البحث و التقصي أوسع من مقال في صحيفة و الحقيقة أن إعطاء نظرة شمولية عن الفكر المنهجي عند صاحب
المقدمة ، و العمل على تحليل جوانب العبقرية و النبوغ عند هذا المفكر ، عملية
تستوجب الاستيعاب الكامل لعطاءاته ،في مجالات لها اتصالها بنشاطات الفرد و الدولة
و الأسرة و المجتمع ، و بالتالي تحدد المعايير الأساسية لممارسة الحياة بشكل
يتلاءم مع العمران البشري و الاجتماع الإنساني في كل زمان و مكان .مهما تطورت
الممارسات ، إن الإلمام بدراسة جانب محدد من جوانب حياة زاخرة بالإبداع الفكري و
العطاء الثقافي و العلمي ، كحياة فيلسوف مثل ابن خلدون مسألة تقتضي البحث المسهب
في ذلك التراث الأصيل الذي تركه للأجيال على مر العصور .
المبحث
الثاني : مظاهر
الفكر الاجتماعي عند ابن خلدون
المطلب
الأول :
الظواهر الاجتماعية
لقد تعرض ابن خلدون للظواهر الاجتماعية في
دراسته و بحث كل ظاهرة في مكانها الخاص تبعا للتصميم الذي وضعه حسب تبويبه لعلم
الاجتماع و لذلك نراه شديد الحرص على التعرض لهذه الظواهر في كل باب من أبواب علم
الاجتماع و قام بتعرف الظواهر الاجتماعية بصفة موجزة في البداية و إن كان هذا
التعريف لفهم الظواهر الاجتماعية عامل بناء على ذكر كل نوع في مكانه المحدد ، و مع
ذلك فإمكاننا إن نتخذه كتعريف هام ما دام يشرونا إلى الجزيئات المتفرعة عن الكليات
ضمنيا لأن هذه الكليات تشير لطبيعتها إلى تلك الأنواع المندرجة تحتها بالإضافة إلى
ذلك يمكننا الوقوف عليها متى شئنا من خلال مطالعتنا لدراسة أراء ابن خلدون
الاجتماعية .
لقد كان نبيها
في إقتفاء أثر الظواهر الاجتماعية و التعرض لها بالبحث و التنقيب و التحليل و مدى
أهمية كل منها في الحياة الاجتماعية و
أثرها في الأفراد و الجماعات و في هذا يقول :
(و لم أترك
شيئا في أولية الأجيال و الدول و تعاصر الأمم الأولى و أسباب التصرف و الأحوال في
القرون الخالية و الملل و ما يعرض في العمران من دولة ، ومدينة وحلة ، وعزة و ذلة وكثرة و قلة وعلم
وصناعة وكسب وإضاعة و أحوال متقلبة مشاعة ، و بدو و حضر . وواقع و منتظر إلى و
استوعبت جملة و أوضحت براهينه و علله"[2] ) .
و هنا نرى ابن خلدون يذكر بعض الظواهر
الاجتماعية و يكتفي بالإشارة إلى البعض الأخر مستندا في ذلك دراسة الجزيئات ضمن
الكليات ثم يربط الظواهر الاجتماعية و الظواهر الطبيعية التي لها أثرها الفعال في
الحياة الاجتماعية و ذلك كالطقس و الخصب و الجذب و الوعورة و السهولة ...
لأن الظواهر الطبيعية تعمل على تكيف الظواهر
الاجتماعية و تغيرها أو تطورها نظرا للعلاقة المتينة بين أفراد المجتمع و بين تلك
الظواهر الطبيعية ، و من هنا نجد أن حياتهم تختلف باختلاف البيئة و تتخذ أشكالا
متنوعة ، تبعا لظروف المجتمع و محيطه ، إن أحوال المجتمعات و مفاهيمها في تغير
مستمر لا تسير على وتيرة واحدة ، و الظواهر الاجتماعية نفسها تتسم بالتفاعل و
التداخل لأنه ليس بوسعنا أن نفصل عددا من الظواهر عن ظواهر أخرى في حياة مجتمع ما
و لا سيما إذا كانت تعتبر في الكيان
الأساسي لبناء ذلك المجتمع ، و لهذا ينبغي للباحث أن لا يقتصر على وصفها و بيان ما
ينبغي أن تكون عليه و إنما يعمل على تحليلها تحليلا يؤدي إلى الكشف عن طبيعتها و
عن الأسس التي تقوم عليها و القوانين التي تخضع لها و هذا ما أشار إليه ابن خلدون
في بحثه و أبرزه إلى الوجود حينما أكشف علم الاجتماع و
العوامل التي
تؤثر فيه و إذا حللنا ظاهرة ما و أردنا الوقوف على عناصرها نجد أن بعض العناصر
ترجع إلى ظواهر طبيعية و البعض الأخر يعود إلى ظواهر اجتماعية مماثلة لها و
متفاعلة معها "[3].
الميل الفطري :
توجد في الإنسان غريزة فطرية أو شعور تلقائي
يدفعه إلى تحقيق التجمع و الاستئناس بأخيه الإنسان الذي يشاركه في السراء و الضراء
و يخفف عنه الألم عند وقوعه و ذلك للحفاظ على النوع البشري الذي أراد الله أن يستخلفه
في الأرض و يعمر به العالم و يبعد عنه الانقراض .
المطلب الثاني : التاريــــــــــخ
يحدد بن خلدون أسس البحث التاريخي لقوله أم
بعد : (( فإن في التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم و الأجيال و تشد إليه
الركائب و الرحال ، و تسمو إلى معرفته السوق و الأغفال ، و تتنافس فيه الملوك و
الأجيال و تتساوى في فهمه العلماء و الجهال إذا هو في ظاهرة لا يزيد على أخبار عن
الأيام و الدول ، و السوابق من القرون الأولى ،تنمو فيه الأقوال و تضرب فيها
الأمثال و تطرق بها الأندية إذا غصها الاحتفال و تؤدي إليها شأن الخليقة كيف تقلبت
بها الأحوال و اتسع للدول فيها النطاق و المجال و عمروا الأرض حتى نادى بهم
الارتحال و حان منهم الزوال و في باطنه نظر و تحقيق و تعطيل للكائنات و مباديها
دقيق ، و علم بكيفيات الوقائع و أسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق و جدير
بأن يعد في علومها و خليقة "[4] )) .
و من هنا يتبين لنا بأن للبحث التاريخي
خاصيتين أساسيتين هما : أن التاريخ فن و أن التاريخ علم
هذا الأخير بكيفيات الوقائع دقيق و أما أنه فن فإن ذلك يلقي على المؤرخ تبعات
التحقيق من صحة الروايات و الأقوال .فعليه أن يقوم بتمحيص أخبار لتمييز الحق من
الباطل و التأكد من مطابقتها ، ثم هو في جوهره علم دقيق ينطوي على النظر و التحقيق
و التعليل أي التعرف على الأسباب التي
تؤدي إلى وقوع الظواهر و حينما ينظر ابن خلدون إلى التاريخ على أنه علم
عميق بالأسباب فإنه في الواقع يعبر عن وجهة نظر علم الاجتماع التاريخي الحق ، ذلك
أن العالم الاجتماعي حين يدرس التاريخية لا يقنع بمجرد سرد و وصف هذه الوقائع في
سباق الزمن و إنما يوجه كل اهتمامه إلى محاولة الربط بينها و اكتشاف الأسباب و
النتائج و الخروج في نهاية الأمر بتعميمات يمكن أن تصدق عن الماضي ، و لعل ذلك هو
المفهوم
العلمي للتاريخ الاجتماعي الذي وضع أصوله ابن خلدون . و يضرب ابن خلدون مثلا واضحا في ما يجب أن يكون
عليه البحث التاريخي بما فعله هو نفسه فبعد أن أطلع على الكتابات السابقة أنشأ في
التاريخ كتابا أهتم فيه بإبراز كل الحقائق
الاجتماعية و السياسية التي تتعلق بمتعاقب الأجيال ، و أولية الدول و العمران . و
اهتم فيه اهتماما بالغا يشرح أحوال العمران و التمدن "[5] .
المطلب الثالث : العمــــــــران
أكد ابن خلدون ضرورة وجود علم مستقل يتناول
أمور الاجتماع الإنساني و العمران البشري ووضع لهذا العلم موضوعا و مجالا و منهجا
و أقام بناؤه على أساس تأمل و النظر و خبرة فعلية واقعية واسعة النطاق على مساحة
كبيرة شملت معظم أقطار العالم العربي بدأ من الأندلس إلى مصر و الشام و الحجاز .
يقول ابن خلدون : ( أعلم أنه لما كانت
حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم و ما يعرض لطبقة
لذلك العمران من الأحوال التوحش و التأنس و العصبيات و أضاف التقلبات للبشر على
بعض و ما ينشأ من ذلك من الملك و الدول و مراتبها و ما ينتحله البشر بأعمالهم و
مساعيهم من الكسب و المعاش و العلوم و الصنائع و سائر ما يحدث من ذلك العمران
بطبيعته من الأحوال ........)"[6] .
و حينئذ فإن سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة
في العمران علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه ، و كان ذلك لنا معيارا صحيحا
يتحرى به المؤرخون طريق الصدق و الصواب فيما ينقلونه .
و التاريخ لا يكون صحيحا مقبولا إلا إذا ربط
نفسه أكثر فأكثر باجتماع الإنساني ( العمران البشري ) و ما يلحق به من الأحوال و
لذلك يؤكد ابن خلدون أن ذلك يستدعي وجود علم مستقل ، قائم بذاته لدراسة الواقعات
الاجتماعية و في ذلك يقول في نص واضح تماما : ( ... و هذا هو غرض هذا الكتاب الأول
من تأليفنا و كان هذا مستقل بنفسه فإنه ذو موضوع و هو العمران البشري و الاجتماع
الإنساني ، و ذو مسائل و هي بيان ما يلحقه من العوارض و الأحوال لذاته واحدة بعد
أخرى و هذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا . ) إذا فعلم العمران البشري
علم مستقل يتناول بالدراسة كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية . و هذا العلم في رأي
ابن خلدون ( مستحدث ) فحقائق العمران البشري مرتبطة بالملكات التي اختص الله
الإنسان دون سائر الحيوانات و لعل أهمها السعي في المعاش و الحاجة إلى الحاكم و
السلطان .
و يقسم ابن
خلدون مجالات الدراسة في العمران البشري إلى عدة أقسام منها :
* العمران
البشري : على الجملة أو الاجتماع العام و يوضح فيه حدود العلم و
أهميته .
* العمران
البدوي : و يتناول
القبائل و الأمم الوحشية و يعتبر هذا النوع من العمران سابق على كل أنواع العمران
الأخرى ، الدول و الخلافة و الملك و ذكر المراتب السلطانية و هو في الاجتماع
السياسي و يتناول موسع نظرية القوة و الدولة .
* العمران
الحضري : و هو
البحث في المدن و الأقطار في الصنائع و الكسب و المعاش و هو بحث في الاجتماع
الصناعي و الاقتصادي في العلوم و اكتسابها و تعلمها ، و هو بحث في الاجتماع
التربوي .
و
يقول ابن خلدون : ( لا بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحياونية
من العدوان و الظلم .... ، فيكون ذلك الوازع واحدا منهم يكون له عليهم الغلبة و
السلطان و اليد القاهرة ، حتى لا يصل أحد إلى غيره بعدوان و هذا هو معنى الملك )."[7]
و هكذا نجد ابن خلدون يحلل العمليتين
الاجتماعيتين الرئيستين في الحياة الاجتماعية و هما التعاون أو التضامن و التصارع
أو العدوان ثم يؤسس على ذلك وجهة نظر السياسية التي مؤداها ، أنه بدون الوازع أو
الحاكم يستحيل قيام نظام اجتماعي و هو لذلك يقول : (( الدولة دون العمران لا تتصور
، و العمران دون الدولة و الملك معتذر ، لما في طباع البشر العدوان الداعي إلى
التنازع )) .
إذن الحياة الاجتماعية شيء أساسي و ضروري و
أن الحياة الفردية ضرب من الخيال بالنسبة للحياة الإنسانية لأن مصلح الأفراد
متوقفة على بعضهم البعض في مختلف الميادين و بالخصوص المسائل الهامة التي تتوقف
عليها حياة الأفراد ، و يرجع ابن خلدون التجمع البشري إلى ثلاثة عوامل أساسية هي :
1 ـ ضرورة اقتصادية :
لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها بصفتها رغبة
حتمية فكان من الضروري أن يجتمع من غيره
لتأمين حاجياته فتعاون و تظاهر جهود الأفراد يِؤدي ذلك إلى توسع دائرتها و كثرة
الأرزاق فانتقل المجتمع فيها من الضروريات إلى توفير الحاجيات و الكماليات ، و منه
فإن الحياة الاقتصادية لا يمكن أن تزدهر إلا في الحياة الاجتماعية .
2 ـ الدفاع :
لقد خلق الإنسان ناقصا في بدنه إلا أن الله
جهزه بأداة أعظم و أخطر من تلك القوى الأخرى التي تملكها بعض الحيوانات و هذه
الأداة هي العقل . الذي به يفكر و يدبر لاستكمال ذلك النقص و التغلب على قساوة
الطبيعة ، إلى أن الإنسان وجد نفسه أمام مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها و هي
الصراع القائم بينهم مما اضطرهم إلى الاجتماع لتنظيم حياتهم "[8].
3 ـ الحياة البدوية و الحضرية :
يرى ابن خلدون أن حياة البدو أقدم من الحضر و
سابق عليه بل أن البادية هي أصل العمران و الأمطار و المدن مدد لها و معنى ذلك
بعبارة أخرى أن الحياة الزراعية هي الأصل و أن الحياة الحضرية تقوم عليها و تنشأ
عنها ، إذن فالبدو حين تتسع أمامهم أفاق الحياة يتجهون إلى الاستقرار و التحضر ،
أي أن التحضر يعني الإقامة في المدن فحياة
البادية هي حياة البساطة و التلقائية و حياة طبيعية على حين تتسم حياة الحضر بأنها
أكثر تعقيدا و تركيبا ، فلا شك أن الضروري أقدم من الحاجي و الكمالي فرع ناشئ عنه ، فالبدو أصل للمدن و الحضر ، و سابق
عليهما لأن أول مطالب الإنسان الضروري لا ينتهي إلى الكمال و الترف إلا إذا كان
الضروري حاصلا ، فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة ، و يرى ابن خلدون أن الصناعة مثلا
عند المجتمعات المتحضرة تعتمد على العلم و أن أهلها اجتازوا مرحلة البداوة القائمة
على الضروريات إلى مرحلة الحضارة التي تتوفر فيها الإمكانيات فهم يعملون على تطور
الصناعة باستمرار ، أما الصنائع في العمران البدوي ( قليل السكان ) تبقى مقتصرة على الصناعة البسيطة التي يحتاج
إليها الناس و خاصة الضروريات منها و هي ليست غاية في ذاتها إنما هي وسيلة للعيش ."[9]
و لهذا لا تكتسب الجودة و الإتقان و إنما
يكون تقدمها بطيئا و هذا يقول في شأنه ابن خلدون : (( أن العرب أبعد الناس عن
الصنائع و ذلك لأنهم أعرق في البداوة أبعد عن العمران الحضري و ما يدعو إليه من الصنائع
))."[10]
---------------
|
بواسطة :
التقويم الذاتي المدرسي